أ.خالد حنون*
مقدمة
في 29/10/2013 انعقد في بريطانيا – ولأول مرة في دولة غير مسلمة – أعمال منتدى الاقتصاد الإسلامي العالمي التاسع والذي دعي اليه ما يقرب من 1800 شخصية سياسية واقتصادية من بينهم رؤساء دول وحكومات. وقد أعلِن فيه عن عزم بريطانيا اصدار صكوك إسلامية لتصبح أول بلد خارج العالم الإسلامي يصدر هذا النوع من المعاملات. ومن المتوقع أن يبلغ حجم الإصدار مائتي مليون جنيه إسترليني. وكان رئيس الوزراء البريطاني “ديفد كاميرون” أعلن ان حكومته تعتزم تدشين مؤشر مالي إسلامي جديد في بورصة لندن لتصبح المدينة أكبر مركز للتمويل الإسلامي خارج الدول الإسلامية، على حد وصفه. تأتي هذه الخطة في إطار المساعي البريطانية الرامية للاستحواذ على حصة أكبر من سوق التمويل الإسلامي سريع النمو والتي من المتوقع أن يقفز حجمها خلال العام المقبل إلى تريليوني دولار. ومن المقرر أن يتتبع المؤشر الجديد حركة الاستثمارات المالية المتوافقة مع قواعد الشريعة الإسلامية[1].
هذه الخطوات السريعة المتجه للاسلام لم تأتِ من فراغ, ولا حتمتها المصالح الآنية ولا التجارية فحسب انما جاءت بناءً على رصد ومتابعة للمؤسسات التجارية والمالية التى تتخذ من الاسلام دستورا لها وتجري كافة معاملتها وفقاً للشريعة الاسلامية .
كيف بدأت تتبلور هذه النظرة الايجابية للتجربة الاقتصادية الاسلامية؟
منذ حوالي خمس سنوات -وعندما نشبت ما سميت لاحقا “بالازمة المالية العالمية” والتي ما زال العديد من دول العالم يعيش تحت وطأتها – ظلت المؤسسات المالية والمصرفية التي تتبع الشريعة الاسلامية بمنئى عن تلك الازمة. والسبب بحسب الخبراء في حديثهم لجريدة “الشرق الاوسط” في ذلك الوقت “أن المصارف الإسلامية لا تتعامل في بيع الديون إلى جانب بُعد البنوك الإسلامية عن المضاربات الكبيرة التي حدثت في البنوك الأوربية والأميركية”.
يقول عدنان أحمد يوسف، الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية التي تتخذ من البحرين مقراً لها، “إن البنوك الإسلامية ليست لديها محافظ في السندات أو الأسهم، وهي لا تدخل في شراء الديون كما هو الحال في البنوك التقليدية أو البنوك الأوروبية والأميركية، مبيناً أن ما يميّز المصرف الإسلامي عدم إمكانية شراء الديون لأن شراء الدين محرم في الشريعة الإسلامية، ولذلك فالبنوك الإسلامية بعيدة عن هذه المشكلة”.
يضيف الدكتور فؤاد نديم مطرجي، المدير العام السابق وعضو مجلس إدارة بيت التمويل العربي، أن المصارف الإسلامية لم تتأثر بأزمة الرهن العقاري التي شهدتها الأسواق المالية العالمية، وأنها محصنة بدرجة كبيرة ضد هذه الأزمات وذلك لعوامل كامنة في طبيعة عمل هذه الصيرفة وأهمها عدم بيع الدين بالدين، وتلافي كل صور توليد النقد من دون معاملات حقيقية، إضافة إلى ما هو قائم لدى هذه المصارف من ضوابط شرعية وفنية كالحذر من الخوض في بعض المشروعات ذات التعثرات والمشاكل المالية.
وبيّن مطرجي أن المصارف الإسلامية لديها عدة بدائل من خلال صيغ التمويل الإسلامي من إجارة منتهية بالتمليك أو مرابحة أو غير ذلك . كما يتوقع زيادة حجم التمويل الإسلامي على مستوى العالم ونمو أعداد العملاء الذين سيبحثون عن بديل، )وهذا ما حصل في السنوات القليلة الماضية). وأضاف مطرجي: أن ما يميز البنوك الإسلامية هو التزامها بضوابط شرعية وعدم خوضها في مشاريع غير آمنة أو لديها مشاكل وتعثرات، فضلا عن البعد عن المضارات على المشاريع التي ليس لديها أصول تديرها. وأشار إلى أن ما حصل في الأزمة إنما هو تضخم كبير في الأموال في المصارف العالمية بسبب شراء الديون وتكبير الحسابات من دون عمليات ملموسة أو يشعر بها المضارب، مؤكدا أن المصارف الإسلامية لم تخض في مثل هذه المشاريع.
وتابع مطرجي أن البنوك الإسلامية قد تتأثر من الأزمة العالمية ولكن سيكون هذا التأثير هو على الأرباح وليس على رأس المال الذي لديه حصانة قوية لحمايته خلاف ما هو معمول به في البنوك التقليدية الأخرى [2].
الخبراء الغربيون يتكلمون
كشف رئيس منتدى (كرانس مونتانا) الخبير الاقتصادي السويسري بول كارتورون اليوم أن البنوك الإسلامية لم تتأثر أبدا بالأزمة المالية العالمية. ولفت كارتورون في محاضرة ألقاها في الندوة الدولية للتجمع الدستوري الديمقراطي التونسي المنعقدة تحت شعار (أي منظومة اقتصادية عالمية لضمان الاستقرار والتنمية في العالم) الى أن البنوك الإسلامية تشكل حلا وجبت الإشارة إليه والتشجيع عليه “باعتبارها تمنع الأرباح على المدى القصير ولا تقوم على المضاربة”. وأوضح أن تفاقم المضاربة والبحث عن كسب الأرباح بكل السبل واللجوء الى الخصخصة مهما كانت العواقب “هي في صميم الأزمة المالية العالمية”، وأكد في السياق ذاته أن الأوساط الاقتصادية والبنكية العالمية “هي التي تقف وراء هذه الأزمة المالية” [3].
لي صديق علماني المنحى قال لي تعليقا على انعقاد أعمال المنتدى الاقتصاد الإسلامي العالمي التاسع في بريطانيا :”ان الانكليز ادهى شعوب العالم وهم بخطوتهم هذه يريدون ان يأخذوا المزيد من الاستثمارات الاسلامية ويضحكوا على اصحابها. قلت له: قد اوافقك على انهم من ادهى شعوب العالم ولكن ليست المسألة هنا ان يضحكوا على احدا فهذا موضوع آخر, انما قناعة “هؤلاء الدهاة” بجدوى التوجه الاسلامي في الاقتصاد وأمانه على أموالهم هي التى حركتهم بهذا الاتجاه بشكل أساسي.
* عضو الهيئة العامة لمنتدى الإعجاز العلمي في القرأن والسنة في لبنان.
[1] http://www.aljazeera.net/ebusiness/pages/890d0c75-05cb-47e5-960e-62591b908bc2
[2] جريدة الشرق الأوسط، عدد الثلاثـاء 22 رمضـان 1429 هـ 23 سبتمبر 2008 العدد 10892
http://www.aawsat.com/details.asp?section=58&article=488061&issueno=10892
[3] صحيفة: الاقتصادية الإلكترونية، بتاريخ : 3-11-2009 – العدد: 5867
http://www.aleqt.com/2009/11/03/article_296615.html