بقلم أ.ع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، القائل: ” خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ” قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ قَالَ: «الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ»[1]. وزاد فقال: “فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهَا” [2]. وقال أيضاً:” فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً “[3].
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» [4]. وأَرْسَلَ كبار الصحابة إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: «إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» [5].
وأجاب عليه الصلاة والسلام سائلاً كيف يغتسل فقال:” تغْسِلُ الْبَشْرَةَ، وَتَبُلُّ الشَّعْرَ ” [6]. وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الإِنَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ، ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ[7]. ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
وسأل رجل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، عَنْ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنْ شَعْرِي كَثِيرٌ، فَقَالَ أبو سعيد: كان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْثَرَ شَعْرًا مِنْكَ وَأَطْيَبَ [8].
ويأتي العلم والإبحاث الطبية بعد قرون طويلة، ليكشف معنى الجنابة وتركيبها الكيميائي والجراثيم المنبعثة منها والأمراض التي تصيب من لا يغتسل منها.
ففي بحث أعده د. عبد البديع حمزة زللي[9]، بعنوان: “الإعجاز العلمي في مسمى الجنابة وحكمها الشرعي”[10]، أورد أن للغدد العرقية وظائف منها إخراج المواد الضارة والسموم من الجسم. وتستطيع هذه الغدد أن تخرج كمية أكبر مما يخرجه البول لدى الأشخاص الذين يقومون بنشاطات شاقة أو رياضية أو العاملين في بيئة حارة.
وتركيب العرق يحتوي على الصوديوم والكلور والأمونيا والكالسيوم والفسفور والمغنسيوم واليود والكبريتات والحديد والزنك وأحماض امينية وبروتينات واللبنات (ملح الحامض اللبني Lactate) واليوريا.
والغدد العرقية الكبيرة أكبر من الغدد الصغيرة حجمًا بعشرة أضعاف. وتفتح هذه الغدد في غمد الشعرة أي جرابها لذلك فإن ما تفرزه يستقر تحت الشعرة مباشرة. وتوجد هذه الغدد في المناطق التالية: -منطقة العانة –منطقة الإبطين –كيس الصفن (كيس الخصيتين) –قلفة الرجل –فرج المرأة –الصدر –المنطقة الملونة الدائرية حول حلمة الثدي –القنوات السمعية الخارجية في الاذن.
وعدد الغدد العرقية الكبيرة عند النساء يبلغ ضعف عددها عند الرجال كما أن افرازات هذه الغدد عند الإناث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدورات الحيض.
وهذه الافرازات ليست مرئية مثل العرق العادي، لكنه افراز لبني أبيض أو أصفر اللون يجف فوق الجلد ليشكل طبقة شبيهة بمادة البلاستيك اذ يجف بسرعة فور خروجه من تحت الشعرة تاركًا بقايا ملوّنة لماعة عند فتحة جراب الشعرة.
ومما تفرزه الغدد الكبيرة البروتينات والسكريات والأمونيا والدهون والحديد. ويمكن للماء أن يزيل بسهولة كل هذه الافرازات السامة والضارة وبات بالامكان أن نتفهم نوع الافرازات الناجمة عن الغضب والانفعال ولماذا أمر رسول الله من يعتريه الغضب أن يتوضأ.
فالسموم التي يفرزها الجسم تستقر إذن تحت كل شعرة وخاصة في مناطق منابت الشعر الحساسة. وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: -ح: “إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر”.[11]
ويتضح من مثل هذه الاحاديث الشريفة وغيرها أن الجنابة ليست هي المني بل هي شيء آخر يخرج من داخل الجسم ويستقر عند كل شعرة وبشرة خاصة وأن العلماء لم يجعلوا خروج المني هو الموجب الوحيد للغسل. فالغسل من الجنابة يصبح واجبًا عند الجماع ولو لم يحدث الإنزال.
لكن نسبة الافرازات والسموم تزداد عند الهياج الجنسي وعند الإنزال، وعندما تخرج من جسم الانسان لا تذهب عنه بل تُجَنَّب عليه حيث تنتقل من داخله إلى سطحه الخارجي فتتوضح المعجزة النبوية المتعلقة بالجنابة اذ اطلق نبينا، عليه الصلاة والسلام، اسم الجنابة على المواد التي تخرج من الجسم وتستقر تحت الشعر أو عنده. فهي جنابة بالفعل لأنها لم تذهب عن الجسم تمامًا بل استقرت في جوانب شعراته وشعيراته.
كذلك فان للجلد قدرة على اعادة امتصاص المعادن السامة التي افرزها من قبل كالرصاص مثلاً، وقد دلت الابحاث والدراسات أن طول بقاء هذه المواد على سطح الجلد كفيلة بزيادة المواد السامة في الجسم، وليس أسهل من إزالتها عن طريق الغسل. فصار الغسل واجباً لسلامة الدين وسلامة الجسم.
صدق رسول الله الصادق الصدوق الذي قال الله تعالى في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [سورة النجم].
[1] (سنن أبي داود (1/ 116-117) عن أبي الدرداء رضي الله عنه).
[2] ( معجم ابن الأعرابي (1/ 87).
[3] (شعب الإيمان (4/ 264-265).
[4] (الآثار لمحمد بن الحسن (1/ 75-76). قَالَ مُحَمَّدٌ بن الحسن: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[5] اخرجه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي.
[6] (شعب الإيمان (4/ 266).
[7] ( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مسند الشافعي – ترتيب سنجر (1/ 201)).
[8] (سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (1/ 366).
[9] استاذ علم التلوث والتسمم البيئي. وكيل معهد البحوث والاستشارات بجامعة طيبة – المدينة المنورة. رئيس وحدة البحوث البيئية والصحية – جامعة أم القرى – المدينة المنورة.
[10] يمكن مراجعة البحث بكامله مع المراجع والأسانيد كافة على الموقع التالي: www.nooran.org
[11] رواه ابو داود في السنن عن أبي هريرة.