رضي الله عنه
الْبَرَاءُ بن معرور بن صخر من بني سَلَمَة وأمه الرباب بِنْت النعمان. هو خال جابر بن عبد الله الأنصاري. وكان للبراء من الولد بِشْر بْن البراء شهِدَ العقبة وبدرًا وأمه خُلَيْدَةُ بِنْت قَيْس. وبناته هند مبايعة. وسلافة مبايعة. والرباب مبايعة. وأمهم حميمة بِنْت عم البراء زوجها. وشهد البراء بْن معرور العقبة وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأَنْصَار.
قال فيه كعب بن مالك الأنصاري: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا،..
إسلام البراء:
انطلق النبي. ع. بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَكَانَ الْعَبَّاسُ ذَا رَأْيٍ. إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّكُمْ قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّدًا إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ. وَمُحَمَّدٌ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ فِي عَشِيرَتِهِ. يَمْنَعُهُ وَاللَّهِ مِنَّا مَنْ كَانَ عَلَى قَوْلِهِ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنَّا عَلَى قَوْلِهِ يَمْنَعُهُ لِلْحَسَبِ وَالشَّرَفِ. وَقَدْ أَبَى مُحَمَّدٌ النَّاسَ كُلَّهُمْ غَيْرَكُمْ. فَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ قُوَّةٍ وَجَلَدٍ وَبَصَرٍ بِالْحَرْبِ وَاسْتِقْلالٍ بِعَدَاوَةِ الْعَرَبِ قَاطِبَةً تَرْمِيكُمْ عَنْ قَوْسٍ واحدة. فارتأوا رأيكم وأتمروا بَيْنَكُمْ وَلا تَفْتَرِقُوا إِلا عَنْ مَلإٍ مِنْكُمْ وَاجْتِمَاعٍ. فَإِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ أَصْدَقُهُ.
لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلا يُطِلِ الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ. فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ وَإِنَّا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ فِي أَنْفُسِنَا غَيْرُ مَا تَنْطِقُ بِهِ لَقُلْنَاهُ وَلَكِنَّا نُرِيدُ الْوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَبَذْلَ مُهَجِ أَنْفُسِنَا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: وَتَلا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَغَّبَهُمْ فِي الإِسْلامِ وَذَكَرَ الَّذِي اجْتَمَعُوا لَهُ.
خطبة البراء:
فَأَجَابَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِالإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْنَا فَنَحْنُ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. وَيُقَالُ إِنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ وَأَجَابَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَصَدَّقَهُ. وَقَالُوا: نَقْبَلُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الأَمْوَالِ وَقَتْلِ الأَشْرَافِ.وَلَغَطُوا. فقال العباس: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَخْفُوا جَرْسَكُمْ فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا. وَقَدِّمُوا ذَوِي أَسْنَانِكُمْ فَيَكُونُونَ الذي يَلُونَ كَلامَنَا مِنْكُمْ فَإِنَّا نَخَافُ قَوْمَكُمْ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ إِذَا بَايَعْتُمْ فَتَفَرَّقُوا إِلَى مَجَالِسِكُمْ وَاكْتُمُوا أَمْرَكُمْ فَإِنْ طَوَيْتُمْ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَنْصَدِعَ هَذَا الْمَوْسِمُ فَأَنْتُمُ الرِّجَالُ وَأَنْتُمْ لِمَا بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ اسْمَعْ مِنَّا. فَسَكَتَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ الْبَرَاءُ: لك والله عِنْدَنَا كِتْمَانُ مَا تُحِبُّ أَنْ نَكْتُمَ وَإِظْهَارُ مَا تُحِبَّ أَنْ نُظْهِرَ وَبَذْلُ مُهَجِ أَنْفُسِنَا ورضا ربنا عندنا. إِنَّا أَهْلُ حَلْقَةٍ وَافِرَةٍ وَأَهْلُ مَنَعَةٍ وَعِزٍّ. وَقَدْ كُنَّا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ وَنَحْنُ كَذَا فَكَيْفَ بِنَا الْيَوْمَ حِينَ بَصَّرَنَا اللَّهُ مَا أَعْمَى عَلَى غَيْرِنَا وأيدنا بمحمد. ص؟ ابْسُطْ يَدَكَ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثلاثة: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَأَسْعَدُ بْنُ زرارة.
ومما قاله البراء ليلتها: الحمد لله الَّذِي أكرمنا بمحمد وحبانا به فكنا أوّل من أجاب وآخر من دعا فأجبنا الله ورسوله وسمعنا وأطعنا. يا معشر الأوس والخزرج قد أكرمكم الله بدينه فَإِن أخذتم السمع والطاعة والموازرة بالشكر فأطيعوا الله ورسوله. ثم جلس.
حب البراء للقبلة: كَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ أَوَّلَ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ حَيًّا وَمَيِّتًا قَبْلَ أَنْ يُوَجَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – أن يستقبل بيت المقدس والنبي. ع. يومئذ بمكة. فأطاع البراء النبي.
وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ مِنَ النُّقَبَاءِ. حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم – يضعه حيث شاء.
وكَانَ مَوْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي صَفَرٍ قَبْلَ قَدُومِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ.
أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. انْطَلَقَ بِأَصْحَابِهِ فَصَفَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَارْضَ عَنْهُ وَقَدْ فَعَلْتَ.
لا صدفة في الإسلام بل إلهام وتوفيق:
فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل من حَيْثُ وَاعد الْأَنْصَار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يلقوه من الْعَام الْمقبل بِمَكَّة خرج سَبْعُونَ رجلا من الْأَنْصَار فِيمَن خرج من أهل الشّرك من قَومهمْ من أهل الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الحليفة قَالَ الْبَراء بْن معْرور بْن صَخْر بْن خنساء وَكَانَ كَبِير الْأَنْصَار إِنِّي قد رَأَيْت رَأيا مَا أدرى أتوافقوني عَلَيْهِ أم لَا قد رَأَيْت أَلا أجعَل هَذِه البنية مني بِظهْر وَأَن أصلى إِلَيْهَا يعنى الْكَعْبَة فَقَالُوا لَهُ وَالله مَا هَذَا بِرَأْي وَمَا كُنَّا لنصلي إِلَى غير قبْلَة فَأَبَوا ذَلِك عَلَيْهِ وأبى أَن يُصَلِّي إِلَّا إِلَيْهَا فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْس صلى إِلَى الْكَعْبَة وَصلى أَصْحَابه إِلَى الشَّام حَتَّى قدمُوا مَكَّة قَالَ الْبَراء بْن معْرور لكعب بْن مَالك وَالله يَا ابن أخي قد وَقع فِي نَفسِي مِمَّا صنعت فِي سفرى هَذَا فَانْطَلق بِنَا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أسأله عَمَّا صنعت وَكَانُوا لَا يعْرفُونَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانُوا يعْرفُونَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب لِأَنَّهُ كَانَ يخْتَلف إِلَيْهِم إِلَى الْمَدِينَة تَاجِرًا فَخَرجُوا يسْأَلُون عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة حَتَّى إِذا كَانُوا بالبطحاء سَأَلُوا رجلا عَنهُ فَقَالَ هَل تعرفونه قَالُوا لَا قَالَ فَهَل تعرفُون الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب قَالُوا نعم قَالَ فَإِذا دَخَلْتُم الْمَسْجِد فانظروا من الرجل الَّذِي مَعَ الْعَبَّاس جَالس فَهُوَ هُوَ تركته مَعَه الْآن فَخَرجُوا حَتَّى جاؤوا فَسَلمُوا عَلَيْهَا ثمَّ جَلَسُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْعَبَّاس هَل تعرف هذَيْن الرجلَيْن قَالَ هَذَا نعم هَذَا الْبَراء بْن معْرور وَهَذَا كَعْب بْن مَالك فَقَالَ لَهُ الْبَراء يَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي صنعت فِي سفرى هَذَا شَيْئا قد وَقع فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء فاخبرني عَنهُ رَأَيْت أَن لَا أجعَل هَذِه البنية مني بِظهْر وَأصلي إِلَيْهَا فعنفني أَصْحَابِي وخالفوني فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد كنت على قبْلَة لَو صبرت عَلَيْهَا، وَلم يزدْ على ذَلِك…
وَكَانَ الْبَراء بْن معْرور مَاتَ فِي صفر قبل قدوم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة بِشَهْر وَأوصى عِنْد مَوته أَن يُوَجه إِذا وضع فِي قَبره إِلَى الْكَعْبَة فقال: وَجِّهُونِي فِي قَبْرِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ.
فَفعل بِهِ ذَلِك فَلَمَّا قدم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة صلى على قَبره:
ويمضي ستة عشر شهراً والنبي يصلي إلى بيت المقدس وكذلك المسلمون ، ثم زَارَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أُمَّ بِشْرِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ فَصَنَعَتْ لَهُ طَعَامًا. وَحَانَتِ الظُّهْرُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ الْمِيزَابَ. فَسُمِّيَ الْمَسْجِدُ مَسْجِدُ الْقِبْلَتَيْنِ. وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.
بشر بن البراء بن معرور:
يُقَال لَهُ الْجَعْد سيد بني سَلمَة
الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ بُخْلٌ. قَالَ: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ! بَلْ سَيِّدُكُمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ.]
والجد بن قيس يكنى: أبا عَبْد اللَّهِ هو ابن عم البراء بْن معرور.
روى عنه: جابر، وَأَبُو هريرة، وكان ممن يظن فيه النفاق، وفيه نزل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} ، وذلك أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم في غزوة تبوك: اغزوا الروم تنالوا بنات الأصفر، فقال جد بْن قيس: قد علمت الأنصار أني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن، ولكن أعينك بمالي، فنزلت: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} الآية، وكان قد ساد في الجاهلية جميع بني سلمة، فانتزع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سؤدده، وجعل مكانه في النقابة عمرو بْن الجموح، وحضر يَوْم الحديبية، فبايع الناس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الجد بْن قيس، فإنه استتر تحت بطن ناقته.
جهاد بشر مع النبي صلى الله عليه وسلم:
شهد بِشْر بدْرًا وأحدًا والخندق والحديبية وخيبر مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ولما فتح رسول الله. ص. خَيْبَرَ سنة سبع من الهجرة. وَاطْمَأَنَّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَخِي مَرْحَبٍ. وَهِيَ امْرَأَةُ سَلامِ بْنِ مِشْكَمٍ. تَسْأَلُ: أَيُّ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَى مُحَمَّدٍ؟ فَيَقُولُونَ: الذِّرَاعُ! فَعَمَدَتْ إِلَى عَنْزٍ لَهَا فَذَبَحَتْهَا وَصَلَتْهَا ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى سُمٍّ لا يُطْنِي. وَقَدْ شَاوَرَتْ يَهُودَ فِي سُمُومٍ. فَأَجْمَعُوا لَهَا عَلَى هَذَا السُّمِّ بِعَيْنِهِ. فَسَمَّتِ الشَّاةَ وَأَكْثَرَتْ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفِ. فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَغْرِبَ بِالنَّاسِ انْصَرَفَ وَهِيَ جَالِسَةٌ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.
فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَدِيَّةٌ أَهْدَيْتُهَا لَكَ! فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأُخِذَتْ مِنْهَا فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَصْحَابُهُ حُضُورٌ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ. وَفِيهِمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ادْنُوا فَتَعَشَّوْا! وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الذِّرَاعَ فَانْتَهَشَ مِنْهَا وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا آخَرَ فَانْتَهَشَ مِنْهُ. فَلَمَّا ازْدَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم – لُقْمَتَهُ ازْدَرَدَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مَا فِي فِيهِ وَأَكَلَ الْقَوْمُ مِنْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ. ص: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّ هَذِهِ الذِّرَاعَ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنَّ كَتِفَ الشَّاةِ- تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ!]
أدب بشر والسم في فمه:
فَقَالَ بِشْرٌ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ أُكْلَتِي الَّتِي أَكَلْتُ حِينَ الْتَقَمْتُهَا فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَلْفَظَهَا إِلا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُبَغِّضَ إِلَيْكَ طَعَامَكَ. فَلَمَّا أَكَلْتَ مَا فِي فِيكَ لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكَ وَرَجَوْتُ أَنْ لا تَكُونَ ازْدَرَدْتَهَا وَفِيهَا بَغِيٌ! فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى عَادَ لَوْنُهُ كَالطَّيْلَسَانِ وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ لا يَتَحَوَّلُ إِلا مَا حُوِّلَ إلى أن مات. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ زَيْنَبَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ فَقَالَتْ: نلت من قَوْمِي مَا نِلْتَ! قَتَلْتَ أَبِي وَعَمِّي وَزَوْجِي فَقُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَتُخْبِرُهُ الذِّرَاعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ وَرَجَعَتِ الْيَهُودِيَّةُ كَمَا كَانَتْ. قَالَ: فَدَفَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى وُلاةِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَقَتَلُوهَا.
وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ. حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم وَعَاشَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَمَسَّتْهُ فَقَالَتْ: مَا وَجَدْتُ مِثْلَ وَعْكٍ عَلَيْكَ عَلَى أَحَدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ مَا يَقُولُ النَّاسُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ زَعَمَ النَّاسُ أَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ذَاتُ الْجَنْبِ، فَقَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطُهَا عَلَيَّ إِنَّمَا هِيَ هُمَزَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَكِنَّهُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ أَنَا وَابْنُكِ يَوْمَ خَيْبَرَ، مَا زَالَ يُصِيبُنِي مِنْهَا عِدَادٌ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِيٍّ» ، فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم شَهِيدًا
ظبية بنت البراء بن معرور:
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِظَبْيَةَ بِنْتِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ امْرَأَةِ أَبِي قَتَادَةَ: «لَيْسَ عَلَيْكُنَّ جُمُعَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُنَّ جِهَادٌ» فَقَالَتْ: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، تَسْبِيحَ الْجِهَادِ، قَالَ: ” قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ “.
عن أم أنس بنت البراء بن معرور، قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول: ” ألا أنبئكم بخير الناس؟ “، قلنا: بلى. قال: ” رجل، وأشار بيده إلى المغرب، أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، ينتظر أن يغير أو يغار عليه “، ثم قال: ” ألا أنبئكم بالذي يليه؟ “، قلنا: بلى، فثنى بيده إلى الحجاز، وقال: ” رجل في غنيمة له، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعرف حق الله في ماله، قد اعتزل شرور الناس “.
كانوا يعيشون الآخرة وحقيقتها: الجنة ونعيمها والنار وجحيمها:
عَنْ أُمِّ بِشْرِ بِنْتِ الْبَرَاءِ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ صَنَعْتُهُ لَهُمْ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَرْوَاحِ، فَذَكَرَهَا بِذِكْرٍ امْتَنَعَ الْقَوْمُ عَنِ الطَّعَامِ، ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدُ: ” أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ طُيُورٌ خُضْرٌ فِي حُجَرٍ مِنَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنَ الْجَنَّةِ وَيَشْرَبُونَ، يَتَعَارَفُونَ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَلْحِقْ بِنَا إِخْوَانَنَا، وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا وَأَرْوَاحُ أَهْلِ النَّارِ فِي حُجَرٍ مِنَ النَّارِ يَأْكُلُونَ مِنَ النَّارِ، وَيَشْرَبُونَ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَا تُلْحِقْ بِنَا إِخْوَانَنَا وَلَا تُؤْتِنَا مَا وَعَدْتَنَا “
لَمَّا حَضَرَتْ كَعْبًا الْوَفَاةُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أُمُّ مُبَشِّرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنْ لَقِيتَ أَبِي فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكِ يَا أُمَّ مُبَشِّرٍ نَحْنُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَعَلَّقُ بِشَجَرَةِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَتْ: فَهُوَ ذَلِكَ.
«إنّ أمّ بشر بنت البراء بن معرور جزعت عليه جزعا شديدا :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَهَّدُ الْأَنْصَارَ وَيَعُودُهُمْ، وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ، فَبَلَغَهُ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَاتَ ابْنُهَا وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، وَأَنَّهَا جَزَعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَأَتَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِالصَّبْرِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي امْرَأَةٌ رَقُوبٌ لَا أَلِدُ، وَلَمْ يَكُنْ لِي غَيْرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّقُوبُ الَّذِي يَبْقَى وَلَدُهَا» ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنِ امْرِئٍ، أَوِ امْرَأَةٍ مَسْلَمَةٍ يَمُوتُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ إِلَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ بِهِمُ الْجَنَّةَ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَاثْنَانِ قَالَ: «وَاثْنَانِ» المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 540).
عزاء النبي المستمر لأم بشر: عن جابر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” من غرس هذا النخيل، أمسلم أم كافر؟ ” قالت: بل مسلم، فقال: ” لا يغرس مسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو دابة أو شيء إلا كانت له صدقة “.
خاتمة:
عن أم مبشر، أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في بيت حفصة: ” لا يدخل النار أحد شهد بدراً والشجرة “.
فقالت حفصة: يا رسول الله إن الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فمه؟ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}.
تلك هي قصة عائلة مجيدة أحبت الإسلام بحب رسول الله والتصقت بعائلة النبي وقدمت كل انواع التضحيات فاكرمها الله ورسوله وخلد التاريخ ذكرها.