رضي الله عنه
تعريف: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة.
كعب بن مالك السلمي الأنصاري أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن سكن المدينة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.
كان في السبعين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة.
كانت كنية كعب في الجاهلية أبو بشير فكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عبد الرحمن
كيف تعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال كعب عن ليلة العقبة: فخرجنا نسأل عن رسول الله ص- وَكُنَّا لا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ- فَلَقِينَا رَجُلا مِنْ اهل مكة، فسألناه عن رسول الله ص، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفَانِهِ؟ قُلْنَا: لا، قَالَ: فَهَلْ تعرفان العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ- قَالَ: وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُ الْعَبَّاسَ، كَانَ لا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا- قَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرجل الجالس مع العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا الْعَبَّاسُ جالس ورسول الله ص جَالِسٌ مَعَ الْعَبَّاسِ، فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا إِلَيْهِ، فقال رسول الله ص لِلْعَبَّاسِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ- قَالَ:
فو الله ما انسى قول رسول الله ص: الشَّاعِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ-
آخَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين طلحة وبين كعب بن مالك.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من أحاديثه ومنها:
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ.
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” إِنَّ أَحْدَثَ عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ صلّى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَيُحَرِّكُ كَفَّهُ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَبْلِي إِلَّا وَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ خَلِيلٌ، أَلَا وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو بَكْرٍ، إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا».
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ أَحْدَثَ عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ صلّى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اتَّخَذُوا بُيُوتَهُمْ قُبُورًا، أَلَا وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ».
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني رب عز وجل حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود.
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمُ أَلْبِسُوا ظُهُورَهُمْ، وَأَشْبِعُوا بُطُونَهُمْ، وَأَلِينُوا لَهُمُ الْقَوْلَ»
أن آخر خطبة خطبناها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يا معشر المهاجرين إنكم قد أصبحت تزيدون وإن الأنصار قد انتهوا وإنهم عيبتي التي أويت إليها فأكرموا محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ملاعب الأسِنَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإِسلام، فأبَى أن يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فإني لا أقبل هدية مشرك» .
كان يستقبل أقرانه من العرب ويقريهم ثم يفد بهم إلى رسول الله:
وَفْدُ بَنِي كِلَابٍ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَدِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ، وَجَبَّارُ بْنُ سُلْمَى، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ خُلَّةٌ، فَرَحَّبَ بِهِ وَأَكْرَمَهُ وَأَهْدَى إِلَيْهِ، وجاؤوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِسَلَامِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ سَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وسنَّة رَسُولِهِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَا وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ وَأَخَذَ صَدَقَاتِهِمْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَصَرَفَهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
كعب الشاعر:
وكانت ام عبد الله بن انيس عند كعب بن مالك، فروت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على كعب بن مالك وهو ينشد في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآه كأنه انقبض، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” انشد ” فأنشد …
أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا يَنْضَحُوهُمْ بالنبل فيما يقولون لهم من الشعر.
وفي رثاء الخليفة عثمان قال:
.. يَا للرِّجَال لَهُم هاج لي حزني
وَقد عجبت لمن يبكي على الدمن
أَنِّي رَأَيْت أَمِين الله مُضْطَجعا
عُثْمَان يهدي إِلَى ى الْأَحْدَاث فِي كفن
يَا قَاتل الله قوما كَانَ أَمرهم
قتل الإِمَام الزكي الطّيب الفطن
قد قَتَلُوهُ وَأَصْحَاب النَّبِي مَعًا
لَوْلَا الَّذِي فعلوا لم نبل بالفتن
قد قَتَلُوهُ نقيا غير ذِي أبن … صلى الآله على وَجه لَهُ حسن
قد جمع الْحلم وَالتَّقوى لمعصمة … مَعَ الْخلَافَة أمرا كَانَ لم يَشن
هَذَا بِهِ كَانَ رَأْي فِي قرَابَته
لم يحظ شَيْئا من الدُّنْيَا وَلم يخن …
وقال أيضاً في عثمان يرثيه:
فكَفَّ يديه ثُمَّ أغلق بابه … وأيقن أنّ الله ليس بغافل
وَقَالَ لأهل الدّار: لَا تقتلوهم [1] … عفا الله عَنْ كل [2] امرئٍ لم يُقاتل
فكيف رأيتَ الله صبَّ عليهمُ- … العداوة والبغضاء بعد التوَّاصُلِ
وكيف رأيت الخير أدبر بعده [3] … عَنِ النّاس إدبار [4] النَّعامٍ الْجَوَافِلِ
في يوم بدر:
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاللَّهُ قَادِرُ * عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلَّهِ قَاهِرُ قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا * بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْيِ بِالنَّاسِ جائر.
في الاستعداد لغزوة أحد وما توعده المشركون بالمسلمين:
قول كعب بن مالك يذكر عزيمة أبي سفيان على الرجوع ومبلغ عددهم :
إذا جاء منهم [راكب] كان قوله … اعدوا لما يزجى ابن حرب ويجمع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة … على كل من يحمى الذمار ويمنع
بني الحرب أن نظفر [1] فلسنا بمفحش … ولا نحن في اظفارها نتوجع
فجئنا إلى موج من البحر وسطه … أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن [1] نصيبه … ثلاث مئين [2] إن كثرنا وأربع.
في غزوة الخندق رد كعب على شعراء المشركين: البدء والتاريخ (4/ 221)
أجابه كعب بن مالك الأنصاري
وسائلة تسايل ما لقينا … ولو شهدت رأتنا صابرينا
رأتنا في فضافض [1] سابغات … كغدران الملا متسربلينا
سيعلم أهل مكة حين ساروا … وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك … وأنّ الله مولى المؤمنينا
كما قد ردكم فلا شريدا … يغيظكم حزابا خائبينا
حزابا لم تنالوا ثم خيرا … وكدتم أن تكونوا دامرينا
فاما تقتلوا سعدا سفاها … فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيّبات … تكون مقامة للصالحينا…
في غزوة خيبر قال مرحب اليهودي قبل المبارزة:
قد علمت خيبر أني مرحب … شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
فأجابه كعب بن مالك
قد علمت خيبر أني كعب … وانّنى ممن يشب الحرب
معي حسام كالعقيق عضب
عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعقهن.
شعره في المسير إلى الطائف بعد غزوة حنين:
سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ: قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ ريب * وخيبر ثم أجمعنا السيوفا نخبرها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ * قَوَاطِعُهُنَّ: دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَمْ تَرَوْهَا * بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا أُلُوفَا وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وجٍ * وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرْعَانُ خَيْلٍ * يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا إِذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ * لَهَا مَمَّا أَنَاخَ بَهَا رَجِيفَا بِأَيْدِيهِمْ قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوقا كَأَمْثَالِ الْعَقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا * قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا (3) تَخَالُ جَدِيَّةَ الْأَبْطَالِ فِيهَا * غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا (4) أَجَدَّهُمُ أَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيحٌ * مِنَ الْأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا يُخَبِّرُهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا * عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا (5) وَأَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ * يُحِيطُ بِسُورِ حِصْنِهِمُ صُفُوفَا رَئِيسُهُمُ النبي وكان صلباً * نقي القلب مصطبراً عزوفا.
تخلف كعب عن غزوة تبوك:
كانت الغزوة الأولى التي كشف فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهة سيره ومقصده لأهميتها ولكي لا يستهين بها الصحابة:
فعن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَلَّ مَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَغَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ , فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُهُ».
وعن كعب رضي الله عنه قال:«أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَكَانَتْ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ».
وكانت فِي رَجَبَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنَّ الرُّومَ قَدْ جَمَعَتْ جُمُوعًا كَثِيرَةً بِالشَّامِ وَأَنَّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ وَقَدَّمُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلَى الْبَلْقَاءِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْخُرُوجِ وَأَعْلَمَهُمُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ وَبَعَثَ إِلَى مَكَّةَ وَإِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَسْتَنْفِرُهُمْ , وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَحَمَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيرَةٍ وَقَوُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَاءَ الْبَكَّاؤُونَ وَهُمْ سَبْعَةٌ يَسْتَحْمِلُونَهُ فَقَالَ: ” {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] ” وَهُمْ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهَرَمِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو لَيْلَى الْمَازِنِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عَنَمَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ الْبَكَّاءُونَ بَنُو مُقَرِّنٍ السَّبْعَةُ، وَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَجَاءَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي التَّخَلُّفِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ وَهُمْ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا , وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤَذَنَ لَهُمْ فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ وَهُمُ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَدْ عَسْكَرَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ فِي حُلَفَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ فَكَانَ يُقَالُ: لَيْسَ عَسْكَرُهُ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرِيِّنَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَلَى عَسْكَرِهِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ , وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم تَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ وَتَخَلَّفَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ رَبِيعٍ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو خَيْثَمَةَ السَّالِمِيِّ , وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم كُلَّ بَطْنٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ يَتَّخِذُوا لِوَاءً أَوْ رَايَةً وَمَضَى لِوَجْهِهِ يَسِيرُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى قَدِمَ تَبُوكَ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ , وَالْخَيْلُ عَشَرَةُ آلَافِ فَرَسٍ فَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ وَلَحِقَهُ بِهَا أَبُو خَيْثَمَةَ السَّالِمِيُّ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَهِرَقْلُ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ , سَرِيَّةً إِلَى أُكَيْدِرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ… فطارد خالد اكيدر وقتل اخاه حسان ثم خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأُكَيْدِرَ وَبِأَخِيهِ مَصَادٍ وَكَانَ فِي الْحِصْنِ وَبِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ بِأُكَيْدِرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَحَقَنَ دَمَهُ وَدَمَ أَخِيهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُمَا وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى. اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فِيهِ أَمَانُهُمْ وَمَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ وَخَتَمَهُ يَوْمَئِذٍ بِظُفْرِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ عَلَى حَرَسِهِ بِتَبُوكَ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فَكَانَ يَطُوفُ فِي أَصْحَابِهِ عَلَى الْعَسْكَرِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ , فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا رُزِقْنَا فِي سَفَرِنَا هَذَا مِنْ أَجْرٍ وَحِسْبَةٍ» وَجَاءَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَحَلَفُوا لَهُ فَعَذَرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ أَمَرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدُ , وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَبِيعُونَ أَسْلِحَتَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَدِ انْقَطَعَ الْجِهَادُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَنَهَاهُمْ وَقَالَ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُجَاهِدُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ».
أخرج البخاري عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلّفت في غزوة بدر ولم يعاتِب أحداً تخلّف عنها؛ إِنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عِيَ قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحبّ أن لي بها مشهد بدر؛ وإن كانت بدر أذكَرَ في الناس منها. وكان من خبري: أني لم أكن قطُّ أقوى ولا أيسر حين تخلَّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قطّ حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفراً بعيد ومفازاً وعدوّاً كثيراً، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ – يريد الديوان -. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظنّ أنْ سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. فطفقت أغدو لكي أتجهَّز معهم فأرجع ولم أقضِ شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادَى بي حتى اشتد بالناس الجدّ، فأصبح رسول الله والمسلمون معه، لم أقضِ من جَهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم؛ فغدوت بعد أن فَصَلوا لأتجهّز، فرجعت ولم أقضِ شيئاً. ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقضِ شيئاً. فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، – وليتني فعلت – فلم يقدَّر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إِلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك. فقال – وهو جالس في القوم بتبوك -: «ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سِلمة؛ يا رسول الله، حبسه بُراده ونَظَرُه في عِطْفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إِلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همِّي، وطفقت أتذكَّر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً؟ واستعنتُ على ذلك بكل ذي رأيٍ من أهلي. فلما قيل: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلَّ قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أنِّي لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه المخلَّفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له – وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً – فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكَل سرائرهم إلى الله عزّ وجلّ. فجئته، فلما سلّمت عليه تَبَسَّم تَبَسُّمِ المُغْضَب، ثم قال: «تعالَ» . فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظَهْرك؟» فقلت: بلى، إني – والله – لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيتُ أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني – والله – لقد علمتُ لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضَى به عني ليوشِكَنَّ الله أنْ سخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيَ الله فيك» . فقمت. فثار رجال من بني سَلِمة فاتَّبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا؟ ولقد عَجزَت أن لا تكون اعتذرتَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلّفون، وقد كان كافيكَ ذنبَكَ إستغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنّبونني حتى هممت أن أرجع فأكذِّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان. قالا مثل ما قلت، وقيل لهما: مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مُرارة بن الربيع
العَمْري، وهِلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أُسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة من بين من تخلّف عنه، فاجْتنبَنَا الناس وتغيّروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرضُ، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلَدهم؛ فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، وأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلِّي قريباً منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإِذا التفتّ نحوه أعرض عني. حتى إذا طال عليّ ذلك من جَفْوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة – وهو ابن عمِّي وأحبُّ الناس إليّ – فسلَّمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام؛ فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت. فعدت له فنَشَدته، فسكت. فعدت له فنَشَدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي وتولّيت حتى تسوَّرتُ الجدار.
قال: وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطيٌ من أنباط أهل الشام ممّن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إِذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان (في سَرَقة من حرير) فإذا فيه:
«أما بعد: فإنه قد بلغني أنَّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هَوانٍ ولا مَضْيَعة، فالحقْ بنا نواسِك» . فقلت لما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها.
(فأقمنا على ذلك) ، حتى إذا مضَت أربعون ليلة من الخمسين، إِذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل إمرأتك. فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: «لا، بل إعتزلها ولا تقربها» ، وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: إلحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت إمرأة هلال بن أُمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إنَّ هلال بن أُمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا، ولكن لا يقربْك» . قالت: إنه – والله – ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إِلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمرأتك كما استأذن هلال بن أُميّة أن تخدمه. فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟.
قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لن خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عزّ وجلّ قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت – سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلَّى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشِّروننا، وذهب قَبِل صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساعٍ من أسلَم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة يقولون: لتهنِكَ توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حولَه الناس؛ فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيرُه؛ ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يبرق وجهه من السرور – «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» قال قلت: أمِنْ عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر؛ وكنا نعرف ذلك منه.
(أخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه لما نزل عُذْره أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بيده فقبلها).
قال كعب: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صَدَقةً إلى الله وإِلى رسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله إنَّ الله إنما نجّاني بالصدق، وإِن من توبتي،
ألا أُحدِّث إلا صدقاً ما بقيت؛ فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ} – إلى قوله – {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 117 – 119) ، فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإِسلام أعظم من نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلِك كما هلَك الذين كذبوا؛ فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد؛ قال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 95/ 96) .
قال كعب: وكنا خُلِّفنا – أيها الثلاثة – عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 118) ، ليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا من الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه، فقبل منهم.
في عهد عثمان:
فأما كعب بن مَالِكٍ فاستعمله الخليفة عثمان عَلَى صدقة مزينة وترك مَا أخذ مِنْهُمْ لَهُ.
وفاته:
توفي كعب سنة خمسين أي السنة التي توفي فيها الحسن بن علي وتولى فيها معاوية الخلافة.
أن كعب بن مالك توفي أيام معاوية. أحسبه بالشام، وقد ذهب بصره.
لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا أبا عبد الرحمن، إن لقيت أبي فأقره مني السلام، فقال: لعمر الله يا أم بشر نحن أشغل من ذلك، فقالت: أما سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” إن أرواح المؤمنين نسمة تسرح في الجنة حيث شاءوا، وإن نسمة الفاجر في سجين “.
قال: بلى.
قالت: هو ذاك.
ولد كعب بن مالك عبد الله بن كعب وعبد الرحمن بن كعب وفضالة بن كعب وعبيد الله بن كعب ووهب بن كعب.
كان عبد الرحمن بن كعب بن مالك من بين اولاد الصحابة الذين يفتون في المدينة بعد الصحابة الكرام.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَّادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ , وَأُمُّهُ عَمِيرَةُ بِنْتُ جُبَيْرِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ , فَوَلَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ , وَمَعْمَرًا , وَمَعْقِلًا , وَنُعْمَانَ , وَخَارِجَةَ , وَعَمْرَةَ , وَعَائِشَةَ وَأُمُّهُمْ خَالِدَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ مِنْ بَنِي الْبَرْكِ بْنِ وَبَرَةَ حَلِيفِ بَنِي سَلِمَةَ , وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ عَمِيَ وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ قَائِدَهُ مِنْ بَيْنِ بَنِيهِ.
خيرة امرأة كعب بن مالك الأنصارية
عن خيرة امرأة كعب بن مالك، أنها أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إنه لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها.
فهل استأذنت كعبا؟ ” فقالت: نعم.
فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كعب فقال: ” هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها؟ ” فقال: نعم. فقبله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها.
أم معبد زوج كعب بن مالك
أم معبد زوج كعب بن مالك الأنصارية وكانت ممن صلت القبلتين، وهي أم معبد بن كعب.
عنها وكانت قد صلت القبلتين، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لا تنتبذوا التمر والزبيب جميعاً، انتبذوا كل واحد على حدته “.