د. عصام المقدم*
مقدمة:
العلاج بالحجامة طريقة معروفة وقديمة عند كثير من الشعوب وعند العرب قبل الإسلام، وقد مدح النبي هذه الوسيلة العلاجية وحث عليها، وقد أجريت عدة أبحاث عملية لتقييم هذه الوسيلة علاجيٌّا، وكان أبرز هذه الأبحاث بحث للدكتور عصام المقدم أخصائي الجراحة العامة بمستشفى التأمين الصحي بالقاهرة أجراه على سبعين مريضًا يعانون من أمراض واختلالات عديدة، وقد عولج بعض هؤلاء المرضى بالحجامة بمفردها وبعضهم بالحجامة والعلاج التقليدي مصاحبًا لها، وقد تحسنت حالة 56% منهم تحسنًا واضحًا، وتحسنت حالة 43%منهم تحسنًا أقل من الأول، ومَن لم يستفد من الحجامة 1% فقط من هؤلاء المرضى، وتؤكد أحاديث النبي وهذه الأبحاث العملية أن الحجامة طريقة علاجية فعالة وبسيطة وغير مكلفة لبعض الأمراض وأنها ليست الوسيلة الوحيدة لعلاج جميع الأمراض كما يظن كثير من الناس؛ بل هي إحدى الوسائل العلاجية التي تفيد في بعض الأمراض بنسبة من الشفاء تقل أو تكثر تبعًا لظروف وأسباب عديدة.
وسيتناول هذا البحث النقاط التالية:
1 ـ أحاديث النبي المتعلقة بهذا الموضوع وأقوال العلماء فيها.
2 ـ الحجامة وسيلة علاجية قديمًا وحديثًا.
3 ـ أبحاث عملية تثبت حصول الأثر العلاجي للحجامة.
4 ـ وجه الإعجاز وتوصية مهمة في هذا الموضوع.
في الحجامة شفاء:
وردت عدة أحاديث عن النبي تؤكد أن في الحجامة شفاء:
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية نار، وإني أنهى أمتي عن الكي) رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت النبي يقول: (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي) رواه البخاري.
وفي رواية عن جابر أيضًا: (إن كان في أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم) رواه البخاري.
وروى البخاري أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري).
وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة أو هو من أمثل دوائكم).
ويلاحظ أن صيغ وصف الحجامة بأنها شفاء اختلفت في روايات الحديث ففي الحديث الأول ورد ذكرها مُعرَّفة بالألف واللام مفيدة العموم (الشفاء في ثلاثة… الحديث)، وللشفاء في لغة العرب معنيان: الدواء، والبُرْءُ، والمراد في هذا الحديث الدواء فكأن ظاهر هذه العبارة يفيد حصر الدواء النافع لكل الأمراض في هذه الثلاثة، وهذا الفهم يتعارض وأحاديث أخرى كثيرة وصف فيها النبي – صلى الله عليه وسلم -وسائل أخرى كالعلاج ببعض الأعشاب والنباتات والعلاج بالألبان وبالماء وغير ذلك، إذًا فالعموم ليس مقصودًا، وقصر الوسائل على الثلاثة فقط ليس بمقصود أيضًا، ويؤكد ذلك بقية صيغ الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن نفس الوسائل العلاجية الثلاثة والتي رواها الإمام البخاري أيضًا؛ ففي الحديث الثاني: (إن كان أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم.. الحديث)، وفي الحديث الثالث كانت العبارة أكثر وضوحًا: (إن كان في أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم)، وفي الحديثين الرابع والخامس كانت الصيغة واضحة في أن الحجامة من أفضل أو من أمثل الطرق العلاجية، وهذا لا يمنع وجود وسائل أخرى لها نفس الفضل ولها نفس المثلية في التداوي بها.
أقوال شُرَّاح الحديث:
قال ابن حجر العسقلاني: (ولم يُرِدِ النبيُّ الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج).
كما علق ابن حجر على صيغة أول الحديث فقال: ويحتمل أن يكون التقدير: إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء، فيكون التردد لإثبات لفظ يكون أو عدمها، فينبغي أن يحمل هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس ـ كما قال الخطابي. كما علق ابن حجر على موافقة الكي للداء منبهًا إلى أنه لا ينبغي أن يجريه إلا خبير فقال: قوله: (توافق الداء) فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين طريقًا إلى إزالة الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق.(1)
وعليه فالحجامة ليست علاجًا لكل الأمراض كما يظن بعض الناس وإنما هي إحدى الوسائل العلاجية التي قد يتفرد العلاج بها في بعض الأمراض أو تكون مصاحبة للعلاج بوسائل أخرى في بعضها الآخر، وأنه لا ينبغي أن يقوم بإجرائها إلا الخبراء. (…)
ما هي الحجامة؟
الْحَجْمُ في اللغة: الْمَصُّ، يقال: حَجَمَ الصبيُّ ثديَ أُمِّه إذا مَصَّه، والحجَّام المصَّاص لفم الْمِحْجَمَةِ، والفعل منه حَجَمَ يَحْجِـُمُ بكسر الجيم وضمها.
والْمِحْجَمُ والْمِحْجَمَةُ بكسر الميم: ما يُحْتَجَمُ به سواء كانت الآلة التي يحجم بها ـ أي يمص الدم بها ـ أو الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة أو مشرط الحجامة.
آلية إجراء الحجامة:
تعتمد آلية الحجامة على خلخلة الهواء فوق نقاط معينة بالجسم بواسطة آلة مجوفة ذات فتحتين يمص الهواء من إحداهما أو قارورة مفرغة من الهواء ميكانيكيٌّا أو بواسطة إحراق قطعة صغيرة من القطن فيحدث نتيجة لذلك احتقان للمنطقة الواقعة تحت موضع الحجامة.
أنواع الحجامة:
والحجامة نوعان: حجامة بلا شرط ـ وتسمى حديثًا الحجامة الجافة ـ وفيها يستعمل المحجم للمص أو تفريغ كأس الحجامة من الهواء فتبرز منطقة الجلد تحتها محتقنة بالدماء وهي الحجامة الشائعة في الصين واليابان وبعض الدول الأوروبية وأمريكا، أما إذا استخدم المشرط لتشريط المنطقة المحتقنة من الجلد فتسمى الحجامة بالشرط، وفي الطب الحديث تسمى الحجامة الدامية أو الرطبة، وهي التي كانت شائعة في عصر النبوة وهي شائعة الآن في بعض الدول الأوروبية ـ وعلى الأخص ألمانيا الاتحادية ـ وفيها يفصد الدم بجروح بسيطة لا تتجاوز 3سم وبعمق يتراوح من نصف إلى واحد ونصف مم.
الحجامة قديمًا وحديثًا:
تعتبر أوراق البردي التي سجل فيها قدماء المصريين طريقة العلاج بالحجامة من أقدم الوثائق التاريخية في هذا الموضوع، ووصف اليونانيون القدماء هذه الطريقة العلاجية، وشاع استخدامها عند العرب في الجاهلية وأقر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومه على استخدام هذه الوسيلة العلاجية، وطبقها وحث على تطبيقها، وقد انتشرت الحجامة في كثير من بلاد المشرق والمغرب في الصين والهند وأوروبا وأمريكا خلال القرون الماضية، وكانت لها مكانتها في الدوريات والمراجع العلمية حتى أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أدخلت الحجامة إلى أوروبا عبر بلاد الأندلس يوم أن كان الأطباء المسلمون ومدوناتهم هي المرجع الأول في علوم الطب، وها هي الحجامة تعود مرة أخرى إلى الظهور بقوة في البلاد الأوروبية والأمريكية بعد ما اختفت من المراجع الطبية في نهاية الستينيات من هذا القرن، فصارت تعقد لها الدورات الدراسية في كليات الطب البديل المنتشرة في أمريكا وبعض الدول الأوروبية والصين وبعض دول شرق آسيا.
استطبابات الحجامة في هدي النبوة:
1 ـ تَبَيُّغُ الدم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله)، رواه الحاكم وصححه. والتبيغ هو التهيج، والمعنى زيادة الدم أو تهيجه وأكثر ما يحدث في ارتفاع التوتر الشرياني المترافق باحتقان الوجه والملتحمتين والشفتين واليدين والقدمين ويحدث أيضًا في فرط زيادة كرات الدم الحمراء والتي تحدث بأسباب عديدة.
2 ـ أوجاع الرأس أو الصداع:
عن سلمى ـ رضي الله عنها ـ خادم رسول الله قالت: ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله وجعًا في رأسه إلا قال: (احتجم)، ولا وجعًا في رجليه إلا قال: (اخضبهما)، رواه أبو داود، وهو حديث حسن.
وهذا الحديث ـ كما قال الدكتور النسيمي ـ يُحْمَلُ على فرط الضغط الدموي والصداع الوعائي.
3 ـ الشقيقة (الصداع النصفي):
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله احتجم وهو مُحْرِمٌ في رأسه من شقيقة كانت به،( رواه البخاري).
4 ـ علاج الوَثْءِ ـ وهو التواء المفصل العنيف:
عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما: (أن رسول الله احتجم على وركه من وَثْءٍ كان به)، رواه أبو داود وهو حديث حسن.
5 ـ علاج الآلام:
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه: (أن رسول الله احتجم وهو مُحْرِمٌ على ظهر القدم من وجع كان به)، رواه أبو داود وإسناده صحيح. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: (إن أبا هِندٍ حَجَمَ النبي في يافوخه من وجع كان به)، رواه البيهقي.
6 ـ علاج الْخُرَّاج:
عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبدالله في أهلنا ورجل يشتكي خُرَّاجًا به أو جراحًا، فقال: ما تشتكي؟ قال: خراج بي قد شَقَّ عَلَيَّ، فقال: يا غلام ائتني بِحِجَامٍ، فقال له: ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق فيه محجمًا، قال: والله إن الذباب ليصيبني أو يصيبني الثوب فيؤذيني ويشق علي! فلما رأى تبرمه من ذلك قال: إني سمعت رسول الله يقول: (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار، قال رسول الله : وما أحب أن أكتوي) قال فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد. رواه مسلم.
العلاج بالحجامة في الطب الحديث:
تنتشر في كثير من البلاد الأوروبية والأمريكية جامعات ومعاهد لتعليم الطب البديل أو الطب المكمّل ومراكز علاجية كثيرة مبنية على وسائله المتعددة وتحتل الحجامة موقعًا بارزًا بين هذه الوسائل تعليمًا وتطبيقًا، وقد زُرتُ وبعض الزملاء من الأطباء عددًا من هذه الجامعات والمراكز العلاجية وعاينتُ بنفسي الشفاء لكثير من المرضى.
آلية تأثير الحجامة:
تشابه آلية تأثير الحجامة آلية تأثير الإبر الصينية والنقاط الانعكاسية في الجسم حيث تبنى آلية هذه الوسائل على نظرية مسارات الطاقة في الجسم وهي نظرية صينية قديمة تفترض وجود مسارين للطاقة أحدهما يسمى (الين) والآخر يسمى (اليانج) وذلك في مفهوم عامة من الطاقة يسمى (تشاي) أو القوة الحيوية، وهذان المساران متكاملان على الرغم من كونهما متعارضين، ويجب أن يكونا في حالة توازن حتى ينعم الجسم بالصحة والقوة.
وهذه القوة الحيوية تدور في الجسم في مسارات تشابه مسارات الدم واللمف والأعصاب، وَسَمَّوْها خطوط الميريديان أو خطوط الطول والعرض، ويمكن رصد هذه المسارات الآن بالطرق الإلكترونية ووسائل أخرى، وهناك 26 دائرة رئيسة من خطوط المريديان وكل دائرة مقترنة بوظيفة أو عضو من وظائف وأعضاء الجسم.
وتشكل خطوط الميريديان شبكة تغطي كل الجسم من الأمام والخلف والأطراف العليا والسفلى، ويوجد عليها 361 نقطة يمكن استخدامها لإحداث التوازن المفقود في بعضها فيشفى العضو المعطوب.
وقد صممت أجهزة حديثة للجمع بين العلاج بالحجامة الجافة والعلاج بالإبر الصينية وتوضع على نفس نقاط الحجامة ونقاط الإبر الصينية.
ويعالج بهذه الأجهزة أمراض الشريان التاجي في القلب وارتفاع ضغط الدم، وخفقان القلب، وارتفاع الدهون في الدم، والتهاب المعدة وقرحة المعدة والاثنى عشر، والإسهال المزمن، والتهاب الكبد المزمن، وحصوات المرارة، والتهاب البروستاتا، والعجز الجنسي، والشلل النصفي للوجه، والصداع والشقيقة، وتصلُّب الرقبة وآلامها وعِرْق النِّسا، وآلام أسفل الظهر، والانزلاق الغضروفي وآلام فقرات الظهر، ومرض الروماتويد، وآلام القدم، ودوار البحر والسيارات، والاضطرابات العقلية عند المسنين، وإسهال الرضَّع، وآلام الأسنان، وضعف السمع، والتهابات الخصية المصحوبة بتجمع مائي، والربو والالتهابات الرئوية والسعال والنزلات الشعبية، وحتى نزلات البرد. وأهم الأمراض التي يمكن أن تفيد في علاجها الحجامة الرطبة الآلام الروماتيزمية المزمنة، الصداع المزمن نتيجة لارتفاع ضغط الدم، والشقيقة، ضغط الدم المرتفع، البواسير، الإكزيما الحادة والمزمنة وبعض الأمراض الجلدية، هبوط القلب المصحوب بارتشاح في الرئتين، أمراض الصدر والقصبة الهوائية وآلام المرارة والأمعاء وآلام الخصية، وانقطاع الطمث الأَوَّلي والثانوي.
كما تساعد الحجامة الجافة والرطبة في تسكين الآلام وتخفيف الاحتقان بصفة عامة في كثير من الأماكن في الجسم خصوصًا في بعض أمراض الرئة الحادة، واحتقانات الكبد، والتهابات الكلية، والتهاب غشاء التامور، والآلام العصبية القطنية والوربية، والوجع الناخس.(…)
وجه الإعجاز:
1 ـ وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قواعد علاجية تعتبر أصلاً من أصول العلاج السليم سبق به الإسلام كل القواعد العلاجية الحديثة.
أولها: أن لكل داء دواء وأنه لا يوجد دواء واحد يصلح أن يكون علاجًا لكل الأمراض وهو ما أكده حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ( لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله)، رواه مسلم.
فيجب أن يفهم حديث: (الشفاء في ثلاثة)، الوارد في الحجامة والعسل والكي، وحديث: (في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام) وجميع الأحاديث الأخرى المشابهة في ضوء هذا الأصل العظيم الذي وضعه نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر العسقلاني: (ولم يُرِدِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج).
الأصل الثاني الذي وضعه نبي الإسلام في العلاج: هو الأمر بالتداوي والحث عليه وأنه لا توجد أمراض ليس لها علاج في المفهوم الإسلامي فعلى الطبيب أن يبحث ويجدّ في البحث حتى يصل للدواء.
عن أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ قال: شهدتُ الأعراب يسألون النبي ـ صلى الله عليه وسلم: أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟، فقالوا: يا رسول الله، هل علينا حرج أن لا نتداوى؟ قال: تداووا عباد الله فإن الله ـ سبحانه ـ لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم)، رواه الأربعة واللفظ لابن ماجه.
الأصل الثالث: تحصيل العلم بالطب وممارسة التطبيب شــرط في التعــرض لعـلاج الناس بأي وسيلة علاجية، كما تشير عبارة الحديث “أو لذعة بنار توافق الداء” وتعليق ابن حجر عليها إلى هذا الأصل.
عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال: قال رسول الله : ( أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن)، والمراد قطع العروق والبط والكي، أبو داود.
أي إن حصلت هناك أخطاء ممن يتصدّون لعلاج الناس ولم يعرف عنهم دراسة للعلوم الطبية وممارسة للعلاج الطبي منهم فهم ضامنون لكل الأخطاء الناتجة من أفعالهم وإن حسنت نياتهم.
الأصل الرابع: يوجد تنوع في الوسائل العلاجية للأمراض وأحيانًا للمرض الواحد، قد لا يعلمها إلا متخصص دقيق، لذا يجب أن يتحلى المعالج بالأمانة العلمية فالحالات التي لا يعرف علاجًا لها أو يعرف أن غيره أعرف منه بطرق المعالجة يجب عليه أن يحيلها لمن هو أقدر منه.
عن سعد قال: مرضت مرضًا أتاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعودني، فوضع يده بين ثديَيَّ حتى وجدتُ بردها على فؤادي فقال: (إنك رجل مفؤود ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن)، رواه أبو داود.
الأصل الخامس: الأمراض لها مسببات قد تكون مادية في صورة كائنات دقيقة أو جزيئات سمية أو مسببات نفسية في صورة اضطرابات انفعالية ينتج عنها خلل في المنظومة الهرمونية والجهاز المناعي، لذلك أمر نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتوقي منها في أحاديث عديدة.
2 ـ اختار النبي وسيلة العلاج بالحجامة من بين الوسائل العلاجية المنتشرة في بيئته وحث عليها وطبقها على نفسه، ونهى عن ممارسة بعض الوسائل الأخرى، وما اختاره وحث عليه ومدحه، ثبت بالدليل العلمي فوائده كما أخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قوله: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة، أو هو من أمثل دوائكم).
3 ـ أعطى كل وسيلة علاجية وصفًا دقيقًا لدورها في العلاج فوصف الحجامة في مجموع الأحاديث المنقولة عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن فيها شفاء، وقد ثبت هذا الشفاء بالأبحاث وبإنشاء المراكز الطبية التي تعالج بالحجامة، وبالكليات الجامعية التي تدرسها وتمنح الشهادات العلمية فيها في معظم دول العالم المتقدم.
خاتمة:
لقد أصل نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الخيارات، ووضع هذه الأسس والقواعد العلاجية في زمن كان الاعتقاد السائد فيه أن الأمراض تسببها الأرواح الشريرة والشياطين والنجوم، وكانوا يطلبون لها العلاج بالشعوذة والخرافات، فمنع نبي الإسلام كل الممارسات العلاجية المبنية على هذه الاعتقادات الخاطئة فنهى رسول الله عن التطير والتمائم والسحر ـ عليه الصلاة والسلام:( إن الرقى والتمائم والتُّوَلَةَ شرك)، رواه أبو داود، وقال أيضًا: (من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم)، رواه الترمذي.
إن الذي يقرر هذه الحقائق منذ أربعة عشر قرنًا من غير أن يمتلك الأجهزة المتقدمة في الفحص والعلاج وفي بيئة يغلب عليها السلوك الخاطئ في العلاج لا يمكن إلا أن يكون موصولاً بالوحي الإلهي؛ قال تعالى: }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (سورة النجم).
__________________________________
* أخصائي الجراحة العامة بمستشفى التأمين الصحي بالقاهرة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.eajaz.org
المراجع:
1 ـ الحافظ أحمد بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج10، كتاب الطب.
2ـ محمود ناظم النسيمي، الطب النبوي والعلم الحديث، ج 3ـ الطبعة الأولى 1404هـ ـ 1984م، المتحدة للتوزيع، دمشق.
3 ـ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ابن القيم) الطب النبوي.
4 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي، الطب النبوي دار البشير ـ القاهرة.
5 ـ غياث حسن الأحمد، الطب النبوي في ضوء العلم الحديث، الطبعة الأولى، دار المعاجم، دمشق.
6 ـ غسان نعمان ماهر، الطب البديل الطبعة الثانية ـ بيروت.
7 ـ لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين.