آية قرآنية أصبحت أساساً لدراسات أكثر تعقيداً في ما يعرف بعلم «المتحجرات»
وإعجاز علمي يؤكد توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث
إعداد عبد الله متولي*
مقدمة
لأن المسلمين يؤمنون بأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون، فإنه من المستحيل أن يتعارض مع الحقائق العلمية التي تم وسيتم اكتشافها بعد نزول القرآن، ولهذا فإن الإعجاز العلمي يعني توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود إلماحات أو تصريحات تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقاً، (…).
نعرض اليوم لإحدى الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم قبل مئات السنين واكتشفها العلم الحديث وأكد على السبق والاعجاز العلمي للقرآن الكريم، وهذه الحقيقة تكمن في قوله تعالى«قل كونوا حجارة أوحديدا»الإسراء 50. هذه الحقيقة العلمية تناولها بالبحث والدراسة الكميائي جمال عبد الناصر الجنايني مدير موقع “القرآن والعلم” الناطق بالإنجليزية، وسنعرض لأجزاء منها للوقوف على ما تشير إليه هذه الآية الكريمة وما تضمنته من اعجاز علمي يؤكد على أن القرآن الكريم كلام الله المتحدي بأسلوبه المتعبد بتلاوته والمعجزة الخالدة إلى ما شاء الله تعالى رغم أنف المشككين والمعترضين.
يبدأ الباحث كلامه بقول الله تعالى (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً) 49 – 51 الإسراء.
ويتابع: تتحدث هذه الآيات عن إنكار المشركين لحقيقة البعث بعد الموت بعد أن يتحولوا إلى عظام وتراب, ولكن جاء الرد الإلهي يخبرهم أنكم حتى لو أصبحتم حجارة أو حديد فإن الله قادر على أن يبعثكم مرة أخرى, ولا إشكال عند الله في كونكم في الصورة العضوية (عظام ورفات) أو أنكم تحولتم الى صورة غير عضوية (حجارة – حديد), فالذي فطر الانسان وغيره من المخلوقات لأول مرة من تراب الأرض قادر على الاعادة وهي من وجهة نظركم أهون على الله الذى لا يوجد عنده سهل وصعب فالكل في حقه سهل {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الروم27.
وفي هذه الآيات يشير القرآن إلى تحول الموتى إلى حجارة أو حديد وهذه حقيقة تم إثباتها علميًا. ليس هذا فقط بل أصبحت هذه الحقيقة أساس علمي لدراسات أكثر تعقيدا في ما يعرف بعلم المتحجرات (Paleontology). وبالتالي فإن القرآن قد سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكون الحفريات نتيجة تحول الموتى إلى حجارة أو حديد.
الحفريات: (…).
استطاع العلماء تحديد أعمار المتحجرات عن طريق تحديد أعمار طبقات الصخور التي تحتوي عليها وذلك بواسطة ما يعرف باسم (radiometric dating) وهي تحديد أعمار الصخور عن طريق النظائر المشعة الموجودة بها.
ومن هنا فإن الطريقة الوحيدة لدراسة الحياة القديمة (prehistoric life) هي عن طريق دراسة بقاياها المحفوظة على هيئة متحجرات. ولذلك فمن الخطأ مثلا أن يصف بعض الناس متحجرات الديناصورات بالهيكل العظمي للديناصور حيث إنه في الحقيقة لا يمكن للمواد العضوية التي تتكون منها العظام أن تظل موجودة لهذه الملايين من السنين. بل ما نراه بأعيننا هو عبارة عن نموذج صخري لهذه العظام. وبالتالي فنحن لا نرى من بقايا الديناصورات إلا الأجزاء التي تحولت منها إلى حجارة.
يقول الدكتور حسني حمدان أستاذ علوم الأرض في مقدمة منهجه في تدريس علم الحفريات «زخر أرشيف الحياة على الأرض بسجل رائع للأمم التي تداولتها الأيام من أقدم الكائنات ظهورًا على الأرض وإلى يومنا هذا. (…) وتلعب ثلاثة عوامل أدوارًا رئيسة في حفظ بقايا الكائنات البائدة تتنوع ما بين التحطيم الميكانيكي, والحياتي والكيميائي. ..».
بقايا متحجّرة لهيكل عظمي بشري
حفظ المتحجرات
إن حفظ الحفريات يتطلب جمل من الشروط تتمثل في:
1. وجود أجزاء صلبة مثل العظام والأصداف والنسيج الصوفي.
2. سرعة الطمر مع انتقال بسيط للكائنات من موقع موتها وليس مسافة طويلة وهذا يقع تحت علم Taphonomy وهو علم متخصص بما حصل للكائن الميت من زمن موته إلى حين اكتشافه.
3. الدفن في الترسبات الناعمة مثل الطين والغرين والرمل.
4. حركة قليلة لفعالية البكتريا على بقايا الحيوانات والنباتات بعد موتها وعليه عدم حصول التحلل السريع.
5. مستوى ثابت من درجة الحرارة والرطوبة.
6. عملية دوران المياه الجوفية حاملاً المعادن الذائبة لتثبيت المكونات الكيميائية.
حفرية لصدفة تحلّلت واستبدلت بمعدن الحديد
لكن كيف تتحول العظام إلى حجارة أو حديد؟
من المعروف أن أكثر بقايا الكائنات الحية حفظًا هي البقايا الصلبة مثل العظام والأسنان والدروع. ويحدث ذلك عندما يتم استبدال المركبات الكيميائية في هذه البقايا بأنواع من المعادن تكون غالبًا إما معدن الكالسيت (calcite) أو السليكا (silica) أو البيريت (pyrite). ومن هنا يمكن تقسيم هذه البقايا المتحجرة حسب المعادن التي استبدلتها إلى نوعين أساسيين:
1- البقايا التي تحولت إلى حجارة:
من المعروف أن الكالسيت والسيليكا هم المكون الأساسي لمعظم انواع الصخور والحجارة بل أن السليكا مثلاً هي أكثر المعادن تواجدًا في القشرة الأرضية. ولذلك فعندما تستبدل معادن السليكا أو الكالسيت بقايا الكائن الحي يتكون نموذج صخري لهذه البقايا، وبالتالي فإن هذه البقايا تكون تحولت بالفعل إلى حجارة.
2- البقايا التي تحولت إلى حديد:
في كثير من الحالات يتم استبدال بقايا الكائن الحي بمعدن البيريت والذي يعرف أيضا باسم الحديد بيريت (Iron pyrite). وهذا المعدن عبارة عن ثاني كبريتيد الحديد (FeS2) ويعطي هذا المعدن لون وبريق يشبه الذهب لذلك يعرف باسم الذهب الكاذب. وعندما يتم استبدال بقايا الكائن الحي بهذا المعدن ويكون محفوظًا حفظًا جيدًا فإن نموذج هذه البقايا المكون من الحديد بيريت يعطي بريق معدني مماثل لبريق الذهب.
ولكن أكثر من ذلك إن معدن البيريت معدن غير ثابت فعندما لا تكون البقايا محفوظة جيدًا وتتعرض للرطوبة فإنها تتأكسد وتتحول إلى ركامة من الصدأ والذي هو عبارة عن كبريتات الحديد (FeSO4.7H2O).
ولنرى مدى الإعجاز فبقايا الكائنات الحية تتحول مع مرور العصور والأزمان إلى حجارة أو في بعض الحالات تتحول إلى خامات الحديد والتي نفسها مع الوقت تتحول إلى كومة من صدأ الحديد,«قل كونوا حجارة أو حديدا».الإسراء 50.
حفرية لهيكل عظمي لسمكة
أمر خارق للعادة
الإعجاز مشتق من العجز والعجز الضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب اعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي شخص على الآتيان بمثله.
الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول محمد مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه، وفق اصطلاح الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. فالإعجاز العلمي للقرآن يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن بحسب تعريف الدكتورزغلول النجار.
قال تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»وقال جل شأنه:«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» أو حتى بسورة قصيرة مثله فقال: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
على الرغم من مرور الكثير من الوقت منذ قديم الزمن إلى الوقت الحاضر، إلا أن أهل اللغة إلى الآن ما زالوا يقرون بقوة الإسلوب القرآني، وعليه فقد أشار أبو سليمان الخطابي إلى عدم قدرة العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز فقال:«ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجوه الإعجاز من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وأصغوا فيه إلى حكم الذوق». وقال العلامة ابن خلدون:«الإعجاز تقصر الإفهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه».
هداية إلهية
مع مطلع فجر كل يوم نسمع ونرى العديد من الحقائق، التي يثبتها العلم، الأمر الذي يؤكد مصداقية هذا القرآن وصدق ما جاء به وأنه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42)(….).
______________________________
* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع http://www.alraimedia.com/Articles.aspx?id=548381