قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ (القيامة: 3-4)
الدلالة النصية:
تشير الآية الكريمة إلى أن البنان يميز كل إنسان عن سواه، والبنان في اللغة أطراف الأصابع، وقد ثبت يقيناً أن بصمات الأصابع تميز كل إنسان، فاستخدمتها الجهات الأمنية دولياً لهذا الغرض.
وهكذا فإن إنكار كفار قريش البعث يوم القيامة قابله النص القرآني بأن الله قادر على أن يجمع عظام الميت، حيث رد عليهم رب العزة بأنه ليس قادراً على جمع العظام البالية فحسب، بل حتى على خلق وتسوية بنانه، هذا الجزء الدقيق الذي يعرّف عن صاحبه، والذي يميز كل إنسان عن الآخر مهما حصل له من الحوادث.
الحقيقة العلمية:
في عام 1823م اكتشف عالم التشريح التشيكي “بركنجي” (Purkinje) حقيقة البصمات ووجد أن الخطوط الدقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع (البنان) تختلف من شخص لآخر، ووجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط: أقواس أو دوائر أو عقد أو على شكل رابع يدعى المركبات، لتركيبها من أشكال متعددة، وفي عام 1858م أي بعد 35 عاماً، أشار العالم الإنجليزي “وليم هرشل” (William Herschel) إلى اختلاف البصمات باختلاف أصحابها، مما يجعلها دليلاً مميزاً لكل شخص. وفي عام 1877م اخترع الدكتور “هنري فولدز” (Henry Faulds) طريقة وضع البصمة على الورق باستخدام حبر المطابع. وفي عام 1892م أثبت الدكتور “فرانسيس غالتون” (Francis Galton) أن صورة البصمة لأي إصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير رغم كل الطوارئ التي قد تصيبه، وقد وجد العلماء أن إحدى المومياء المصرية المحنًطة احتفظت ببصماتها واضحة جلية. وأثبت جالتون أنه لا يوجد شخصان في العالم لهما نفس التعرجات الدقيقة وقد أكد أن هذه التعرّجات تظهر على أصابع الجنين وهو في بطن أمه عندما يكون عمره بين 100 و120 يوماً. وفي عام 1893م أسس مفوّض اسكتلند يارد، “إدوارد هنري” (Edward Henry) نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات، لقد اعتبر أن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية، واعتبر أن أصابع اليدين العشرة هي وحدة كاملة في تصنيف هوية الشخص. وأدخلت في نفس العام البصمات كدليل قوي في دوائر الشرطة في اسكتلند يارد، كما جاء في الموسوعة البريطانية. ثم أخذ العلماء منذ اكتشاف البصمات بإجراء دراسات على أعداد كبيرة من الناس من مختلف الأجناس فلم يعثر على مجموعتين متطابقتين أبداً، ويتم تكوين بصمات البنان عند الجنين في الشهر الرابع، وتظل ثابتة ومميزة طوال حياته، والبصمات هي تسجيل للتعرّجات التي تنشأ من التحام طبقة الأدمة مع البشرة، وتختلف هذه التعرجات من شخص لآخر، فلا تتطابق أبداً بين شخصين، ولذلك أصبحت بصمات الأصابع دولياً هي الوسيلة المثلى لتحديد هوية الأشخاص.
وجه الإعجاز:
وردت الإشارة في الآية الكريمة إلى العلاقة بين الفرد وتشكيلات بنائه المميزة التي لم تدرك حقيقتها إلى القرن التاسع عشر الميلادي وذلك عندما عُرف دورها في تحديد الهوية، وحسب نظام هنري الذي قام بتطويره مفوض اسكتلند يارد إدوارد هنري 1893م فإن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية بحيث تُعتبر أصابع اليدين العشرة وحدة كاملة في تصنيف بطاقة الشخص وتمييزه، وهنا نلاحظ أن الآية الكريمة في سورة القيامة تتحدث أيضاً عن إعادة خلق بصمات الأصابع جميعها لا بصمة إصبع واحدة إذ أن لفظ “البنان” يُطلق على الجمع أي مجموع الأصابع، ولا غرابة أن يكون البنان إحدى آيات الله تعالى التي وضع فيها أسرار خلقه والتي تشهد على الشخص بدون التباس فتصبح شاهداً عليه كأصدق دليل.
______________________________
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.eajaz.org