كانت النساء في الماضي يضعن الوشم (تاتو بالإنكليزية) على وجوههن للتعبير عن جمالهن وعن القبيلة التي ينتمين إليها، إلا أن هذه العادة اختفت بعد اكتشاف مضارها الكثيرة، لكنها عادت بقوة في السنوات الأخيرة وعلى نطاق واسع، خصوصاً في أوساط الشباب الذكور والرياضيين والفنانين. ويهدف الموشومون من خلال هذه الممارسات الى التعبير عن ذواتهم أو إرسال رسائل إلى الآخرين، للبوح عن مشاعر معينة، أو حتى لإظهار مواقف واتجاهات شخصية ووطنية وسياسية أحياناً.
ويرى باحثون مختصون أن هناك أسباباً تدفع الشباب الى نقش الوشم على أجسادهم، منها انعدام الثقة، وفقدان الأمان، والفراغ القاتل، والجهل بالوازع الديني وغيرها. ونوهت دراسات إلى وجود رابط بين الوشم وعدد من الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية.
ولجأت الشعوب القديمة قبل آلاف السنين إلى الوشم كتعويذة ضد الموت والأرواح الشريرة وللحماية من السحر. ويرجع المؤرخون تاريخ ممارسة الوشم إلى العصر الحجري الحديث. واكتُشفت مومياءات تحمل الوشم يعود تاريخها إلى نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، منها مومياء أمونيت في مصر القديمة.
واستخدم العرب الوشم لمنع الحسد بين القبائل، وكذلك للزينة والتجميل. كما ورد ذكره على ألسنة الشعراء العرب القدماء، وفي هذا يقول الشاعر طرفة بن العبد: “لخولة أطلال ببرقة ثهمد / تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد”.
والوشم هو إدخال مكونات ملونة في الطبقة العميقة من الجلد بحيث لا يمكن الجسم أن يتخلص منها لأنها كبيرة الحجم بالنسبة إليه. وينفذ الوشم بوسيلتين: الأولى بأدوات ثاقبة للجلد، مثل الإبر والسكاكين الدقيقة أو مسدس الوشم. أما الثانية فتعتمد على استخدام ملونات حيوانية ومساحيق مختلفة من الكحل والفحم وخلاصة نباتية.
لكن الوشم لا يخلو من الأخطار، إذ يحذر عاملون أميركيون وفرنسيون في إدارة الأدوية والأغذية وفي نقابة أمراض الجلد من اللجوء إلى الوشم، بعدما تبين أن هناك 25 في المئة من الأميركيين يمهرون أجسامهم بالوشم، وأن فرنسياً من بين 10 وشاباً من أصل خمسة يعمدان إلى الوشم.
نصل الآن إلى بيت القصيد لنستعرض الأخطار التي يمكن أن يتركها الوشم:
– اضطرابات جلدية موضعية، مثل تشكل الحبيبات أو الندوب الشديدة المعيبة التي قد تمتد على مساحة واسعة من الجلد.
– التهابات جلدية موضعية، تتظاهر على شكل ألم موضعي، واحمرار، وزيادة سخونة الجلد، وتورم، وخروج مفرزات قيحية، وتهيجات، وربما تقرحات. وإذا ما تمت العدوى بجراثيم مقاومة للمضادات الحيوية، فإنه يمكن تلك الجراثيم أن تنساب إلى الدم والرئتين.
– الأمراض المنقولة بواسطة الدم، بسبب استعمال أدوات الوخز الملوثة بأحد أمراض الدم المعدية، مثل التهاب الكبد الفيروسي بي أو سي، والكزاز، والسل، والآيدز، والزهري. ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي سي، هم الذين يرسمون الوشم بأدوات غير معقمة. ورصدت دراسة في جامعة “لانغون مديكال سنتر” في نيويورك، وجود صلة بين الوشم وزيادة خطر الاصابة بفيروس الكبد سي. وأظهرت أن المصابين بالفيروس سي الذي ينتقل عبر الدم هم أكثر عرضة بمعدل أربعة أمثال للإبلاغ عن تعرضهم لتجربة الوشم، حتى مع الأخذ في الاعتبار عوامل الخطر الأخرى. وتعليقاً على هذه النتيجة أوضح الدكتور فريتز فرانسوا، الذي شارك في الدراسة، أن الوشم في حد ذاته يشكل عامل خطر في هذا المرض الذي يمكن أن يظل صامتاً لسنوات. ويبلغ عدد المصابين بالتهاب الكبد بالفيروس سي في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة ملايين شخص غالبيتهم لا يعلمون أن الفيروس مستوطن في أجسادهم.
– الحساسية، وتظهر هذه كرد فعل الجسم تجاه الأصباغ المستعملة في الوشم خصوصاً اللون الأحمر، وتتظاهر الحساسية على شكل حكة واندفاعات جلدية في منطقة الوشم، ويمكنها أن تصرّح عن نفسها في وقت قصير أو بعد سنوات طويلة على رسم الوشم. وفي كثير من الأحيان قد تندلع الحساسية بعد تعرض منطقة الوشم إلى الأشعة فوق البنفسجية، سواء الشمسية أو الصناعية.
– مضاعفات بعد التصوير بالرنين المغناطيسي، مثل التورم والحرقة في المنطقة التي يتم تصويرها، وفي بعض الأحيان قد يعرقل الوشم من أخذ صورة صحيحة للمنطقة، أو يضع عراقيل أمام إعطاء تشخيص سليم.
– التسمم، فالحبر المستخدم في الوشم يحتوي على مواد أقل ما يقال عنها إنها سامة. ففي اللون الأحمر يوجد الألومنيوم والحديد والتيتان والسيليكون والزئبق، وفي اللون الأخضر الكروم والرصاص والألومينيوم، وفي اللون الأسود مخلفات من البترول. ويدل البرتقالي على وجود الكادميوم والآزوت. ويشير الأصفر إلى الرصاص والكادميوم والزنك والآزوت وسيانيد الحديد. وفي الأزرق النحاس والكوبالت وسيانيد الحديد. أما البنفسجي فيدل على الألومينيوم والآزوت، بينما اللون البني يدل على الحديد والآزوت. في المقابل يوحي اللون الأبيض بوجود الرصاص والزنك والتيتانيوم والباريوم. وجاء في تقارير للمفوضية الأوروبية أن الكوبالت الأزرق والآزوت والأحبار التي تحتوي على معادن ثقيلة تسبب حساسية الجلد. في حين أن الأصباغ الحمراء والسوداء تسبب نمو أورام حبيبية التهابية. بينما تسبب الأصباغ التي تحتوي على الآزوت والمعادن الثقيلة ظهور أورام حبيبية متقيحة على منطقة الوشم.
– التأثير في الحال النفسية. يمكن الوشم أن يقود إلى سلسلة من التغيرات السلوكية والسير في ركب ممارسات خطرة، مثل التدخين، وتعاطي المخدرات، ومعاقرة الكحول والانخراط في صفوف الخارجين عن القانون.
– تبدلات في شكل الوشم، فزيادة الوزن أو نقصانه يمكن أن تُحدث تبدلات طارئة على الوشم تقود إلى تشوهه.
– زيادة أخطار التعرض للسرطان، فبعض الدراسات أكد أن 40 في المئة من الملونات العضوية المستخدمة في الوشم غير صالحة حتى للاستخدام التجميلي، وأن أكثر من 20 في المئة من تلك الملونات تحتوي على مركبات أمينية عطرية يمكنها أن تشعل فتيل السرطان.
والوشم لا يترك مضاعفات صحية وحسب بل يخلّف أعباء اجتماعية لا تطاق، فالرسم الذي زركش الشباب أجسادهم به، في محاولة منهم لإثبات الذات أو للإظهار للآخرين بأن ذكراهم باقية، قد يتحول بعد مرحلة ما بعد الشباب إلى عبء اجتماعي يخجل صاحبه من إظهاره، ويحاول بشتى الوسائل إزالته. عدا هذا وذاك، فالوشم قد يحمل دلالات سلبية تجعلنا نطلق على هؤلاء الأشخاص أحكاماً سلبية قد تكون أحياناً غير صحيحة، كما أنها قد تقف عائقاً أمامهم، سواء على صعيد الزواج أو في العمل، فتضيع منهم فرص قد لا يحلمون بها مرة أخرى. فضلاً عن أن هؤلاء يكونون دوماً موضع شك وتساؤل وعدم ثقة، وبالتالي لا يتوانى البعض عن وضعهم في منزلة اجتماعية أقل.
وإذا كان وضع الوشم يستغرق وقتاً قصيراً لا يتجاوز ساعات قليلة، فإن إزالته لا يمكن تحقيقها إلا بشق النفس وبواسطة أشعة الليزر فقط، وعبر جلسات تأخذ أشهراً، مع العلم أن هناك نسبة لا بأس بها من الوشم لا يستطيع الليزر أن يقتلعها ولا بأي شكل من الأشكال لترافق صاحبها طيلة حياته… فتجنّبوا الوشم جملة وتفصيلاً حتى لا تحتاجوا إلى قلعه لاحقاً.
وعن عَائِشَةَ ام المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : «نَهَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالنّامِصَةِ وَالْمُتَنَمّصَةِ» (سنن النسائي 5099)
_____________________
* من بريد القراء نقلاً عن http://alhayat.com/Articles/2652976/