أ. صلاح سلام
خيط دقيق يفصل بين الحق والباطل، يميّزه أهل الحق ويتجاهله أهل الباطل. المجتمع المدني قوة هادرة كامنة في الضمائر الحية وعند أصحاب الهمم العالية، يقرّها كل قانون، وتشجع عليها كل شريعة مطهّرة، تصون العدل وتدافع عن الحقوق وتعارض الظلم وتطالب بالمحاسبة.
احتلت في شريعتنا الغراء مكاناً ساميًا، واجه بها الحباب بن المنذر بكل أدب نبي الله ورسوله قبيل المعركة، فقال: يا رسول الله أهو منزل أنزلكه الله ام هو الرأي والمكيدة؟ فنزل رسول الله عند قوله وعمل برأيه.
وسار الخلفاء الراشدون على النهج ذاته فقال أبو بكر للناس: أطيعوني ما اطعت الله فيكم، فإن لم افعل فليس لي عليكم طاعة. ووقف في وجه عمر رجل سأله وساءله من أين له القماش الزائد في عباءته الطويلة. وعارضته امرأة لما وضع سقفاً لمهر النساء فقالت: ليس لك ذلك يا ابن الخطاب.
ولما تولّى الإمام علي الخلافة في ظروف قاسية اختلطت الحرية بالفوضى وتغلغل المتآمرون في جماهير الأمة وفي عقول بعض أبنائها، فشغل الناس بالفتنة عن الفتوحات وكثر التأويل ودخل التضليل، حتى طالت الفتنة عظماء الأمة وأودت برجالاتها الأبرار وفي طليعتهم الإمام نفسه.
والحراك الجاري حالياً لا يختلف في سيره عما جرى من قبل قديماً وحديثًا، ولا يخشى على صدقيته إلا من الدخلاء ومن الخطط الخارجية تحت شعار حق يراد به باطل.
المجتمع المدني بحر نقي من الجماهير المحقة، قد تتخلله روافد آسنة تتلطى وتتسلل لتحوّل هذا الدفق الحيوي إلى تيار يجرف الحق ويضلل الحقيقة. ولا سبيل إلا بتعاون قادته مع أهل الخبرة من رجالات الدولة النظيفي الأكف، والقادة العسكريين والأمنيين، الحريصين على البلاد والعباد، القادرين على تمييز الحراك السليم من التغلغل الأثيم وعلى ضبط الموقف. كذلك لا بد من التوقف بعد كل خطوة لإعادة التقييم خشية الانحراف والانجراف وخوفاً على الجماهير وعلى أولادهم المنخرطين في القوى والعسكرية والأمنية على السواء.
وليس ما يمنع بعد ذلك من محاسبة أيٍ كان ومن إقصاء أي مقصر، وإذا سلم الماء النقي من المياه الآسنة سلمت المسيرة.