خالد حنون *
اذا كنا في الصيف لا حديث للناس سوى تأمين المياه للبيوت التي اصبحت في السنوات الأخير عزيزة على النزول مع التغيرات المناخية التي تصيب عالمنا. وكلما اقترب الشتاء يظل الحديث نفسه ولكن بطريقة أخرى وبسؤال جديد مفاده، ترى، هل ستكون هذه السنة من السنوات الماطرة ام سيكون القحط سيد الموقف؟ ان حلم التحكم في هطول المطر هدف يسعى اليه الانسان منذ زمن طويل. “وقد يعتقد بعض الناس أن تقنية “الاستمطار” تقنية حديثة لكنها قديمة نسبياً، ” ففي فرنسا وسويسرا على سبيل المثال أجريت تجارب أولية للتأثير على الغيوم باستخدام قذائف المدفعية وذلك في أوائل القرن الماضي. وفي عام 1931م ولأول مرة في التاريخ تمكنت نيوزيلندا من إثارة المطر صناعياً عندما قذفت حبيبات ثاني أكسيد الكربون الصلب في الجزء المحتوي على مياه فوق مبردة من الغيوم بواسطة الطائرة، وفي عام 1946م تمت واحدة من أوائل التجارب العلمية في التأثير على السحب العالية البرودة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية”.(1) ومنذ سنوات بدأت بعض الدول العربية ذات البيئة الصحراوية بتجارب على هذه التقنية لعلها تخرج بنتيجة تفيد بيئتها، الا انها لم ترتق الى الآن لتصبح سياسة دولة.
طرق الاستمطار ومسمياته
الاستمطار أحد فروع ما يسمى تعديلات الطقس Weather modification وله عدة مسميات منها: استحلاب السحب، زراعة الغيوم، بذر الغيوم Cloud seeding ، اصطياد السحب والمطر، تلقيح السحب، حقن السحب، وكذلك يطلق عليها صناعة المطر rainmaking وهذا مصطلح مستهجن ومضلل والله أعلم.
ولتقنية الاستمطار طريقتان رئيسيتان:
الأولى: طريقة جوية بواسطة طائرة خاصة تحلق تحت أو فوق أو داخل السحاب وفقاً لطبيعته وهذه الطريقة أكثر فاعلية وتستخدم في كثير من دول العالم التي تعاني من الجفاف. (2)
ومن أكثر طرق استمطار السحب شيوعاً ما يلي:
- رش السحب الركامية المحملة ببخار الماء الكثيف، بواسطة الطائرات، برذاذ الماء ؛ ليعمل على زيادة تشبع الهواء، وسرعة تكثف بخار الماء، لإسقاط المطر، وهذه طريقة تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء.
- قذف بلورات من الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون المتجمد)، بواسطة الطائرات في منطقة فوق السحب؛ لتؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء، وتكون بلورات من الجليد عند درجة حرارة منخفضة جداً، لتعمل على التحام قطرات الماء الموجودة في السحب وسقوطها كما في حالة المطر الطبيعي.
- رش مسحوق إيود الفضة (agj) بواسطة الطائرات، أو قذفه في تيرات هوائية صاعدة لمناطق وجود السحب، ويكون ذلك باستخدام أجهزة خاصة لنفث الهواء بقوة كافية إلى أعلى، ويعد إيود الفضة من أجود نويات التكاثف الصلبة التي تعمل على تجميع جزيئات الماء، وإسقاطها أمطاراً غزيرة على الأرض (3).
الثانية: طرق أرضية عبر المدافع المضادة للطيران وتستخدم كثيراً في الصين(4 )
طائرة استمطار تربض في أرض المطار
تستخدم المدفعية المضادة للطائرات لإطلاق مواد التلقيح إلى مستوى السحب
المآخذعلى هذه التقنية
يقول المهتمون بعملية الاستمطار انه – وان تمت هذه العملية بشكل ناجح وحدث المطر- ستكون سلبياتها اكثر من ايجابياتها. وسوف تقودنا إلى مشكلات اقتصادية، لانها مكلفة، وسياسية، لانها قد تجلب المشاكل من الدول المجاورة التي سيخف المطر لديها. اما من الناحية الشرعية – وهي الاهم بنظرنا – فتكمن في ان المطر هو اصلاً من صنع الله تعالى والعلماء يتلاعبون فقط بطرق اسقاطه. وهو نوع من أنواع الرزق، فمن حجبه عن مستحقيه وحوّله الى غيرهم فكأنما سلبه واحتكره، يقول الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ”(لقمان:34)، واي تلاعب في ذلك ستكون له عواقب ربانية قاسية. وقد حض الله تعالى المؤمنين على طلب الاستسقاء منه عبرالصلاة والدعاء والأولى أن نرضى بمن قسم الله تعالى لهم ذلك الرزق، وهو امراجدى وارضى. وغالبا ما تكون أسباب القحط عائدة لكثرة ذنوب الناس. فالاولى التضرع والاستغفار والصلاة لله وترك التذاكي على الله. وكما هو معروف ان لصلاة الاستسقاء شروط وهيآت يجب الاتيان بها، وهي موجودة في كتب الحديث وكتب الفقه، ولن نذكرها لعدم الاطالة. ولكننا سنروي قصة معبرة وجميلة وطريفة في آن حصلت في زمن النبي واوردها البخاري في صحيحه عن انس بن مالك فقال:” أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ “.
تقنية إبعاد الأمطار
ومن يملك تقنية انزال المطر في بقعة معينة يستطيع أيضًا أن يبعده. ففي عيدهم الوطني لم يترك الروس فرصة للأمطار أن تفسد احتفالاتهم بيوم النصر خلال الأعوام الماضية، وخصوصًا هذه السنة 2015 التي تصادف الذكرى السبعين لانتصارهم على ألمانيا النازية وإجبارها على الاستسلام، حيث اعدوا لها احتفالات غير مسبوقة، وعرض عسكري ضخم ضم وفود من ٣٠ دولة.
فقام العلماء الروس برش مواد كيميائية بالطائرات في سماء العاصمة موسكو جعلت السماء زرقاء صافية. وكانت المادة الأساسية المستخدمة في إبعاد الأمطار هي “يوديد الفضة”، التي تطرد بخار الماء المتجمع في السحاب وتدفعه بعيدًا عن المنطقة التي تم رشها. ووفقًا لموقع التليفزيون الفرنسي “فرانس إنفو” فإن تكلفة إبعاد الأمطار هذا العام قد بلغت ٤٠٠ مليون روبل أي نحو ٧ ملايين يورو.(5)
وفي سنة 2008 وفي الصين تحديدا اضطرت الاخيرة لاطلاق 1.104 صاروخ متخصص بتفريق وبعثرة الغيوم المحملة بالأمطار، من 21 موقعاَ وذلك خشية نزول المطر أثناء حفل افتتاح الألعاب الأولمبية التي كانت تنظمها، وتخريب ما تم إعداده من مشاهد استغرقتهم الكثير من التكاليف والجهد لعرضها أثناء الحفل. وقال متخصص صيني بعلوم المناخ :”كانت هذه أضخم عملية تفريق مطر قمنا بها في الصين.(6)
هل ذكر النبي الاستمطارفي احد احاديثه؟
أخيرا وبعد هذه المقدمات وقبل الجواب على هذا السؤال لا بد من الاشارة الى ان مصطلح “الاستمطار” هو مصطلح حديث العهد ولم يكن معروفا للناس الا في السنوات الاخيرة كما تقدم. فكيف يمكن ان يذكره النبي في حديثه؟. والجواب على ذلك يكمن في ان النبي ذكر فعل “الاستمطار” في ما سيحدث على يد “المسيح الدجال” في آخر الزمان لفتنة الناس. فقال في حديث طويل ذكره الترمذي في سننه بان الدجال “…يأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ وَيُصَدِّقُونَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ…” وكما مر معنا فان عملية الاستمطار تكون في هذه الحال وفق مشيئة بشرية وبعلم الهي. واذا حدث ذلك في آخر الزمان فلا يعود المهم من فعله انما المهم الفعل بحد ذاته، اوبأسوء الاحوال هو مقدمة لهذا الدجال في قرب ظهوره.
فالاستسقاء هو الطلب إلى الله تعالى بإنزال المطر والاستمطار هو تعدي البشر على حقوق بشر من المطر، وصلى الله على من لا ينطق عن الهوى.
_______________________________________
*عضو منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.
هوامش:
1- انظر: تقنية الاستمطار. د. عبدالله المسند.على الرابط التالي:
http://www.almisnid.com/almisnid/article-37.html
2- نفس المصدر.
3- انظردراسة موجودة على الانترنت بعنوان: استمطار السحاب. د. عبدالله بن عمر السحيباني
http://www.saaid.net/bahoth/51.htm
4- تقنية الاستمطار. مصدر سابق.
5- انظر تقريرا حول هذا الموضوع بعنوان: بالصور. الشمس تشرق رغم “أنفها” في العاصمة موسكو باستخدام “الفضة” و٧ ملايين يورو. وعلى الرابط التالي: http://gate.ahram.org.eg/News/644875.aspx
6-انظر التقرير المعنون ب” الصين تطرد المطر بالصواريخ في يوم الافتتاح”.
http://www.alriyadh.com/366534إقرأ أيضاً