د. محمد عمر سالم*
ذكرت الرؤيا المنامية في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وكذلك ذكرت في ما يقرب من مائة من الأحاديث النبوية الصحيحة، وقد أثبتت هذه النصوص فضل الرؤيا، والقدرة التنبؤية لبعض هذه الأحلام في الاخبار بأشياء من عالم المستقبل، كما قص القرآن الكريم سبعة من الرؤى المنامية، نكتفي بذكر واحد منها فقط:
وردت في سورة يوسف وذلك في قوله تعالى: ﴿ وقال الملكُ إني أرى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ يأكلُهنَّ سبعٌ عِجافٌ وسبعَ سنبلاتٍ خضرٍ وأُخَرَ يابساتٍ يا أيّها الملأُ أفتوني في رؤيايَ إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾ (يوسف: 43).
وقد أيدت الأبحاث الحديثة في دراسة الأحلام وجود هذا النوع الفوقي من الأحلام والذي من خلاله يدرك الرائي أمورًا خارج نطاق المعارف العادية بما فيها الأمور من المستقبل، وقد ثبت وجود هذا النوع عن طريق البحث العلمي، وسأقوم في هذا البحث بمشيئة الله بعرض أهم هذه الأبحاث.
وتتولى الهيئة العالمية لدراسة الأحلام (ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية) الريادة في كافة الأبحاث العلمية المتعلقة بالظاهرة، وقد فسرت الدراسات الحديثة في علوم الأعصاب ودراسات الدماغ بعض الظواهر المتعلقة بالرؤيا المنامية، مثل أسباب النسيان السريع لمعظم الأحلام والرمزية السائدة في الغالبية منها، حيث أن النصف الأيمن للدماغ ( الذي يتعامل مع الرموز) هو الذي يكون نشطًا أثناء الأحلام.
وتفسير الأحلام من المعارف القديمة التي اهتمت بها الأمم السابقة، ولكن كان المسلمون أول من ضبطوها ووضعوا لها المصنفات المنهجية تحت مسمى علم التعبير، الذي يعتمد على النزعة التكاملية من جمع للرموز كلها ومعرفة حال الرائي.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبق بعده من النبوة إلا المبشرات وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة. وقال صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة (صحيح مسلم)، وقال: ” لم يبقَ من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له” (متفق عليه)، وينقسم ما يراه الرائي إلى ثلاثة أقسام أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بُشرى من الله عزّ وجلّ، والرؤيا تحزينًا من الشيطان، والرؤيا من الشّيء يحدث به الإنسانُ نفسَه” (رواه مسلم).
أي أن جميع المرائي تنحصر في ثلاثة أقسام: الصادقة وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم، والأضغاث وهي لا تنذر بشيء، والثالثة وهي أن يرى النائم ما تتحدّث به نفسه في اليقظة أو يتمناه.
فالرؤى لغة مصوّرة يجب الاجتهاد في فكّ رموزها ومعرفة مفرداتها، ثم ربطها بالواقع المعاش للرائي، وقد اشتهر بعض علماء المسلمين بمهارة متميّزة في هذا العلم وكان من أبرزهم محمد بن سيرين في القرن السابع الميلادي، ثم تلاه أئمة كثيرون ونورد هنا ما ذكره الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التعبير عن سيدتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: ” أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم” فالرؤيا الصادقة كانت مبدأ الوحي، وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” رؤيا المؤمن كلام يكلّم به العبد ربه في المنام” (أخرجه الطبراني بإسناد صحيح) وحري بالمسلم أن يهتمّ بكلام الله تعالى وأن يحاول أن يفقه ما فيه.
الرؤيا المنامية في النصوص الدينية بشكل عام:
الديانات الأرضية:
ذكرت النصوص المقدسة لدى البوذيين حلمًا نسبوه إلى بوذا اعتبروه أساس عقيدتهم في التناسخ، وعند الهندوس وجدت مخطوطة من القرن الخامس قبل الميلاد تدعى “أترافافيدا” تحتوي على فصل كامل للأحلام ورسالتها المرسلة إلى البشر.
وفي العهد القديم الذي هو المرجع الديني الرئيسي لدى اليهود والنصارى، حيث حوى مبدأ الخلق وقصص الأنبياء وأخبارًا أخرى نجد أنه قد احتوى على ذكر كثير من الأحلام والرؤى التي تتحقق، وبعضها صحيح بتصديق القرآن له، مثل الرؤى التي وردت في قصة سيدنا يوسف عليه السلام.
الأحلام والرؤيا المنامية في النصوص الإسلامية:
ذكرت الرؤى المنامية في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وكذلك ذكرت فيما يقرب من مائة من الأحاديث النبوية الصحيحة، وقد أثبتت هذه النصوص فضل الرؤيا، والقدرة التنبؤية لبعض هذه الأحلام في الإخبار بأمور من عالم المستقبل.
الرؤيا المنامية في القرآن الكريم:
ذكر القرآن الكريم سبعة من الرؤى المنامية، أولها حسب ترتيب المصحف في سورة الأنفال: ﴿إذ يُريكَهُمُ اللهُ في منامِكَ قليلاً ولو أراكَهمْ كثيرًا لفشِلْتُمْ ولَتنازعْتُمْ في الأمرِ ولكنَّ اللهَ سلَّمَ إنّهُ عليمٌ بذاتِ الصدورِ﴾.
ثمّ ورد ذكر بعضها في سورة يوسف، حيث أوتي يوسف الصّديق عليه السلام الباع الأوفى في تأويل وتعبير المنام، كان ترتيبها كالتالي:
﴿ إذ قالَ يوسفُ لأبيهِ يا أبتِ إني رأيتُ أحدَ عشرَ كوكبًا والشّمسَ والقمرَ رأيتُهمْ لي ساجدين﴾
﴿ ودخلَ معهُ السجنَ فَتَيانِ قالَ أحدُهما إني أراني أعصرُ خمرًا وقال الآخرُ إني أراني أحملُ فوقَ رأسي خبزًا تأكلُ الطيرُ منهُ نبّئْنا بتأويلِهِ إنا نراكَ من المحسنين﴾
﴿ وقالَ الملكُ إني أرى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ يأكلُهنَّ سبعٌ عِجافٌ وسبعَ سنبلاتٍ خضرٍ وأُخَرَ يابساتٍ يا أيّها الملأُ أفتوني في رؤيايَ إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾
ثم ذكرت سورة الصافات رؤيا ابتلاء إبراهيم الخليل عليه السلام:
﴿ فلما بلغَ معهُ السّعيَ قالَ يا بُنيَّ إني أرى في المنامِ أني أذبحُكَ فانظرْ ماذا ترى قال يا أبتِ افعلْ ما تُؤمرُ ستجدني إن شاء اللهُ من الصابرين﴾
وفي سورة الفتح تأتي رؤيا البشرى العظيمة والتي تحققت بأداء عمرة القضاء ومن ثمّ الفتح والنصر والتي تُعدّ من معجزات القرآن التنبؤية بحقّ، حيث لا يستطيع أي إنسان توقّع ما يحدث بعد عام، والكفار كانوا كثيرًا ما ينقضون عهودهم:
﴿ لقدْ صدقَ اللهُ رسولَهُ الرؤيا بالحقِّ لتدْخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ إن شاءَ اللهُ آمنينَ محلِّقينَ رؤوسَكُمْ ومُقصّرينَ لا تخافونَ فعَلِمَ ما لم تعلموا فجعلَ من دونِ ذلكَ فتحًا قريبًا﴾.
وقد ذكرت الرؤيا المنامية كبشرى لأولياء الله من المؤمنين المتقين في الآية الرابعة والستين من سورة يونس:
﴿ ألا إنَّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون(62) الذين آمنوا وكانوا يتقون(63) لهمُ البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرةِ لا تبديلَ لكلماتِ اللهِ ذلكَ هو الفوزُ العظيمُ(64)﴾
فقد قيلَ في تفسير البشرى في هذه الآية الكريمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له” أخرجه الترمذي.
الرؤى والأحلام في الحديث النبوي:
عظّمت السنة النبوية أمر الرؤيا وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبقَ بعده من النبوة إلا المبشرات وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وورد ذكر الأحلام والرؤى فيما يقرب من مائة من الأحاديث النبوية الصحيحة وضّحت وفصّلت أنواعها ووظائفها وبعض القواعد لتعبيرها.
الأحلام في علم النفس والطبّ النفسيّ:
من الناحية الفيسيولوجية تحدث معظم الأحلام في فترات نوع من النوم يعرف بالنوم النشط أو النوم ذو حركة العين السريعة. والحلم عبارة عن سلسلة من الأحداث تبدو للرائي كما لو كانت حقيقية وقتها، ويتمّ نسيان معظم الأحلام خلال دقائق من حدوثها، وضعف ذاكرة الأحلام له حكمة عظيمة، وذلك لحمايتنا من أن تختلط ذكرياتنا للأحداث الحياتية الحقيقية، بتلك الخاصة بالأحلام، حيث يصعب حينئذ على الإنسان التفرقة بين الأحداث الحقيقية وتلك التي تحدث أثناء الأحلام، وبعض الأشخاص لا يتذكر أحلامه مطلقًا، ومن أسباب ذلك عدم الاهتمام بالظاهرة من فترة مبكرة مما يؤدي إلى تعويق ذاكرتها لاشعوريًّا، ويضاعف من ذلك سخرية الأسرة من أحلام الصغار، والأفراد الذين لديهم اهتمام خاص بهذه الظاهرة أقدر على تذكر أحلامهم، ويتمتعون بحدوث رؤى أكثر لهم، ونظرًا لهشاشة ذاكرة الأحلام يوصى بأن يسجلها الرائي كتابة مباشرة عند استيقاظه، أو أن يقصّها على أحد، ومن المفيد عمومًا تخصيص سجل للأحلام، حتى يتسنى أيضًا فحص الرؤى التي تتحقق بعد فترات طويلة.
وظائف الأحلام:
تأثر علم النفس الحديث منذ بداية تأسسه بالمدرسة الغربية اللادينية (…)، فاهتم علماء وأطباء النفس في الماضي بنوع من الأحلام الخاص بأحاديث النفس، وذلك لارتباطه بهموم وانشغالات المريض، وأنكر بعضهم ذلك، ولكن وجود بعض الأحلام التي تنقل أنباء من عالم الغيب -فضلاً عن أنه عقيدة دينية- حقيقة أثبتتها كثير من الدراسات المتأخرة بأساليب البحث العلمي الحديث كما سيأتي فيما بعد، وأبدأ باستعراض لأهم النظريات النفسية السائدة في وظائف الأحلام:
- إشباع الرغبات (النظرية التحليلية):
وأسسها سيجموند فرويد، وهو طبيب أعصاب نمساوي، ادعى الإلحاد بالرغم من أنه يهودي الديانة وأسس مدرسته في التحليل النفسي القائمة على أن السلوك البشري كله مرجعه إلى العدوان والجنس، ولم تكن نظرياته منبثقة عن أي بحث علمي تجريبي أو استقرائي، بل مجرد أراء شخصية منبثقة عن تصورات منحرفة وقلب مريض، وقد حاول أن يفسر الأحلام على أساس نظرياته، فاعتبر أن الرموز والحركات في الأحلام ما هي إلا تعبير عن الأعضاء الجنسية والعمليات الجنسية، وهو ما سماه بالمعنى الكامن للحلم، تأتي مقنعة بسبب الرقيب في اللاشعور فيكون المعنى الرمزي الظاهر، وتكون وظيفة الحلم حسب هذه النظرية هي إشباع الرغبات المكبوتة، ومع تقدم علم النفس التجريبي خضعت نظريات فرويد إلى النقد العلمي، وبعد إجراء العديد من الأبحاث لفحص العديد من الأحلام اتضح أنه لم يوجد فرق داخل الحلم بين المعنى الكامن والمعنى الظاهر، وأن كثيرًا من الأحلام لا تحقق رغبات مكبوتة، وضربوا لذلك مثلاً بالكوابيس والأحلام المزعجة: فأي رغبات تشبع؟ وأي أمنيات تحقق؟
وبصفة عامة تفتقر نظريات فرويد إلى الأساس العلمي الذي يعضدها.
- الأحلام نفسانية المنشأ (حديث النفس):
حسب الرؤية العلمية المعاصرة للأحلام فإنها تضم قسمًا هامًّا، وهو الأحلام نفسانية المنشأ، وهي تلك الأحلام التي تعكس مشاغل الإنسان الغالبة وهمومه اليومية، ومن أسباب اهتمام صاحبها بالأمر، فتكون الأحلام استمرارًا لهموم النفس فتستمر وتستكمل في الحلم بعض أحداث اليقظة، وتسمى هذه الظاهرة بنظرية الاستمرارية في الأحلام، وقد يعكس أيضًا هذا النوع من الأحلام مخاوف الرائي من بعض الأمور المستقبلية، ومن وظائف هذا النوع من الأحلام تنظيم الوجدان، فقد اعتبر هارتمان (1996) أن الأحلام ضرورية جدًّا لتنظيم ومعالجة الوجدان أثناء النوم، وعزا الشعور بالراحة وتجدد النشاط في الصباح إلى هذه الخاصية، واستدل على ذلك بأن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو من بعض الأمراض النفسية الأخرى يعانون من الأرق وبالتالي تكون كمية الأحلام لديهم قليلة، وهذا النقص في ظنّه هو السبب في اعتلالهم النفسي، وبالنسبة لمرضى الآلام والصدمات النفسية تكون الأحلام لديهم تنفيسًا انفعاليًّا وتنظيمًا وجدانيًّا للمواقف ذات الطبيعة الانفعالية التي حدثت في اليقظة، وهذا النوع من الأحلام يتميز بالطول والاستطراد مع عدم الوضوح وصعوبة ذكر تفاصيله.
- الأحلام الفوقية أو الغيبية الخارقة للعادة:
وهناك النوع الفوقي الذي من خلاله يدرك الرائي أمورًا خارج نطاق المعارف العادية بما فيها الرؤى التنبؤية، وهذه الرؤى الغيبية لها خصائص متميزة، فغالبًا ما تكون ذات حيوية وتأثير، وتترك انطباعًا قويًّا في النفس أكثر من مثيلتها من الأحلام العادية، وأيضًا قد تتضمن تفاصيل غير عادية: مثل الألوان والملمس والأصوات، كما أن مميزاتها أيضًا وضوح الذاكرة مع إحساس خفي بأهمية هذا الحلم، وهي عمومًا أقصر من الأنواع الأخرى من الأحلام، وغالبًا ما تكون الأحداث فيها متتابعة وغير مختلطة أو متداخلة، ويكون الاستيقاظ عادة ناعمًا وغير مشوش، ومعظم الناس يستطيع تمييز الرؤيا عن غيرها في معظم الأحيان، وتتركز الأحلام الغيبية حول الأحداث المهمة، وتلك التي تترك أثرًا وجدانيًّا لدى الرائي، حتى لو لم يكن يتوقعها، وقد أضاف علماؤنا أنه عمومًا ما كان لها في الواقع صلة مباشرة فإنها لا يعتدّ بها وتلحق حينئذ بحديث النفس ما لم تكن بعد استشارة أو استخارة أو دعاء.
ويشمل هذا النوع المتميز من الأحلام عدة أنواع:
- الأحلام الميسرة لحل المشاكل والمعضلات:
عندما تواجه الرائي في اليقظة بعض المشكلات أو المسائل التي يتحير فيها، فإنه قد يرى في رؤياه ما ييسر عليه ويدله على حل هذه المسائل، ويعتقد الباحثون أن هذه الوظيفة للأحلام تأتي عن طريق تكون شبكات معرفية جديدة للذاكرة حيث تزداد وتتوسع الاتصالات العصبية أثناء النوم بسبب خفوت المؤثرات الخارجية، فأحيانًا قد يكون اتصالاً جديدًا واحدًا هو كل ما هو مطلوب، وهذه الوظيفة يمكن أن توضح أحلام الاكتشافات العلمية والأحلام المبدعة، لكن بعض الأحلام فقط ممكن أن يخدم هذه الوظيفة.
أمثلة لرؤى الاكتشافات العلمية: اكتشف “كيكلو” حلقة البنزين السداسية عن طريق رؤيا عندما رأى حية تلتقم ذيلها بفمها. واكتشف “إلياس هو” أين يضع ثقب إبرة ماكينة الخياطة عن طريق حلم، عندما رأى مجموعة من الزنوج تمسك حربًا بها ثقب تجاه طرفها. كما اكتشف “بوهر” تركيب الذرة عن طريق حلم، حيث رأى الكواكب مرتبطة بالشمس بخيوط وتدور حولها، فاستبصر المماثلة. وأهدى “ديمتري ماندليف” لعلوم الطبيعة والكيمياء الجدول الدوري للعناصر في عام 1869، والذي جاءه في صورته الكاملة في رؤيا منامية، أيضًا. اخترع “توماس أديسون” المصباح الكهربائي بمساعدة رؤيا.
- الأحلام المتعلقة بالصحة البدنية:
سجلت حالات متعددة لمرضى كان أول ما عرفوا عن مرضهم عن طريق رؤيا منامية، وتأتي على رأس هذه الحالات أورام الدماغ بصفة خاصة، وفي بعض الحالات كانت الرؤيا تقترح طرقًا معينة للعلاج.
ج- الرؤى الإخبارية والتنبؤية:
وهناك النوع الغيبي الفوقي الذي من خلاله يدرك الرائي أمورًا خارج دائرة معارفه وإدراكاته الحسية بما في ذلك من أخبار المستقبل، وبالإضافة إلى تصديق الرؤية الدينية للظاهرة فإن هناك شواهد عديدة من التاريخ تؤيد مصداقيتها، وأستعرض هنا بعض الأمثلة عليها:
حلم أبراهام لنكولن:
في إحدى ليالي عام 1865 رأى الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لنكولن خدم البيت الأبيض يسرعون حول كفن ملفوف عليه علم الولايات المتحدة ويقولون أن الرئيس قد قتل، وفي صباح اليوم التالي قص الرئيس الأمريكي هذا الحلم الغريب على كثير من الناس، وبعد أسبوعين ذهب لمشاهدة مسرحية، حيث اقتحم مقصورته أحد الأشخاص وأطلق عليه النار، وقتله.
اكتشاف نفق المدينة:
في إحدى ليالي عام 1161، وبعد أن صلى قيام الليل كعادته، رأى السلطان العادل: نور الدين محمود زنكي- في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن ينقذه من رجلين أشقرين أشار إليهما في المنام، فقام من نومه فزعًا، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم صلى ثانية ونام، فرأى نفس المنام، ففعل ما فعله في المرة الأولى ثم نام، فرأى نفس المنام للمرة الثالثة، فشعر أن هناك أمرًا جللاً لوضوح هذه الرؤيا وتكرارها بهذه الطريقة، وبعد أن استشار أحد المقربين من أعوانه، نصحه بأن يكتم أمره ويخرج فورًا إلى المدينة المنورة بدعوى الزيارة وإكرام أهل المدينة للبحث في أمر هذه الرسالة المنامية الغامضة والمقلقة، وعند وصوله طلب من والي المدينة أن يجمع له أهلها للسلام عليهم، واستطاع التعرف على الرجلين اللذين رآهما في الرؤيا، وبتفتيش منزلهما المجاور للحجرة الشريفة، وجد نفقًا تحت البساط الذي في حجرتهما كانا يقومان بحفره للوصول إلى الحجرة الشريفة، وكانت تلك الواقعة السبب في بناء السلطان محمود للسور الرصاصي الهائل الذي يحيط بالحجرة الشريفة وحتى منابع المياه الجوفية، وذلك حتى لا يطمع أي متآمر في تكرار مثل هذه المحاولة.
تعبير المنام:
لما كان كثير من الرؤى تكون مرموزة لذا فإنها تحتاج إلى تعبير، فالرؤى لغة مصورة يجب الاجتهاد في فك رموزها ومعرفة مفرداتها، ثم ربطها بالواقع المعيش للرائي، ومن هنا كان تفسير الأحلام من المعارف القديمة التي اهتمت بها الأمم السابقة، والذي نؤكد عليه هنا أن المسلمين كانوا أول من ضبطها ومن ثم فإنهم قد وضعوا لها المصنفات المنهجية تحت مسمى علم التعبير، الذي يعتمد على النزعة التكاملية من جمع للرموز كلها ومعرفة حال الرائي، وهكذا فإن علم التعبير من العلوم الإسلامية القديمة حيث اشتهر بعض علماء المسلمين بمهارة متميزة في هذا العلم وكان من أبرزهم محمد بن سيرين في القرن السابع الميلادي، ثم تلاه أئمة كثيرون برعوا في هذا الفن منهم الشهاب العابر وعبد الغني النابلسي وغيرهم.
مما تم استعراضه يتضح أن الرؤيا التنبؤية أصبحت حقيقة علمية كما هي حقيقة دينية سواء بسواء، وصدق الله القائل: ﴿ سنُريهمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسِهمْ حتى يتبيّنَ لهمْ أنَّهُ الحقُّ أوَلمْ يَكْفِ بربِّكَ أنّه على كلِّ شيءٍ شهيدٌ﴾ (فصّلت: 53).
______________________________
* كلية الطب جامعة الامارات العربية. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى
الموقع www.eajaz.org