بقلم أ. ع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، شكّل إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، محطتين هامتين في مسيرة دعوة النبي الكريم. فقد كان عدد من الصحابة قبل ذلك اليوم يخفون إسلامهم وكان على من يعلنه أن يرحل من مكة خشية التعرض للأذى والقتل. وكان صمود النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يعرّضه لكثير من الضيق والأذى على الرغم من حماية عمّه أبي طالب لشخص النبي دون بقية أصحابه. فقد أمره الله تعالى بإعلان دعوته، ولم يكن قد أذن له بالهجرة بعد.
صارت الدعوة بأمس الحاجة إلى رجال أشداء تهابهم قريش والمشركون، يؤمنون بالدين ويؤازرون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فصارت هذه الأمنية من مجمل دعائه عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك دعاؤه الله سبحانه أن ينصر الإسلام بأحد العمرين أي عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل.
أما حمزة فقد بلغه وهو عائد من الصيد أن أبا جهل قد نال من النبي صلى الله عليه وسلم في غيابه، فاستشاط غضباً وانطلق يبحث عن أبي جهل ليجده جالساً بين سادة قومه فنال منه، ضربا وشتما، فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه، فتجاوز في كلامه من الحمية والعصبية لابن أخيه إلى اكثر من ذلك فقال: (ديني دين محمد، أشهد أنه رسول الله، فوالله لا أنثني عن ذلك فامنعوني من ذلك إن كنتم صادقين).
بعد أن هدأت سورة غضبه، شعر حمزة بشيء من التعجل في إعلان إسلامه، وأخذته الحيرة فيما يفعل أيعود عن عهده بالإسلام أم يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطمئن عليه ولعله يجد عنده بلسماً لحيرته وضيق صدره. فأتى إلى الكعبة وتضرع: (اللهم إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا).ثم قصد رسول الله يشكو إليه ما في نفسه من حرج، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وحدّثه في الإسلام ساعة حتى طاب قلبه وانشرح صدره، فقد أيقظ له النور المكنون في قلبه، فقال للنبي: (أشهد أنك لصادق وخرج من عنده مسلماً موقناً أن لا يعود إلى دين الشرك أبداً).
قال الله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {122} (سورة الأنعام).
لما أسلم حمزة عزّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وثبت لهم بعض أمرهم،وهابت قريش وعلموا أن حمزة رضي الله عنه سيمنعه.
كان حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب شديدي المراس، فلم يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الإسلام لأول وهلة بل تركهما يسمعان من الناس، وهو يعلم أن لهما عقلين راشدين لا بد أن يقودانهما إلى الخير، لكن الأمر تطلّب وقتاً وصبرا.
تروي الصحابية لَيْلَى زوجة عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أول رقة ظهرت من قلب عمر بعد أن كان يعذب من أسلم من عبيد بني مخزوم، قَالَتْ: ” كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي إِسْلَامِنَا، فَلَمَّا تَهَيَّأْنَا لِلْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ جَاءَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَنَا عَلَى بَعِيرٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَوَجَّهَ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: آذَيْتُمُونَا فِي دِينِنَا، فَنَذْهَبُ فِي أَرْضِ اللهِ حَيْثُ لَا نُؤْذَى فِي عِبَادَةِ اللهِ، قَالَ: صَحِبَكُمُ اللهُ، ثُمَّ ذَهَبَ فَجَاءَنِي زَوْجِي عَامِرٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ مِنْ رِقَّةِ عُمَرَ، فَقَالَ: تُرَجِّينَ أَنْ يُسْلِمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ “.
وكان عمر يتتبع حركات النبي ويرصد أقواله، قال: سبقني (النبي صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} قلت: كاهن، قال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
لكن عمر غضب يوماًحين بلغه أن أخاه وآخرين من قومه قد أسلموا فأخذته عزة الجاهلية فقصد النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه رجل من قريش قال أين تذهب فأخبره، فقال له الرجل: عجباً لك يا ابن الخطاب! إنك تزعم أنك كذلك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك! قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت؟
استشاط عمر غضباً فقصد بيت صهره وأخته وكان الصحابي عبد الله ابن مسعود عندهما يقرئهما القرآن. طرق عمر الباب، فاختبأوا منه وتركوا الكتاب. ثم فتحت أخته الباب فبادرها بالشتم والضرب، فبكت المرأة وقالت: يا ابن الخطاب اصنع ما كنت صانعا فقد أسلمت.
أخذته في أخته رأفة فجلس على السرير وتناول الصحيفة، قال عمر: (فإذا بها {بسم الله الرحمن الرحيم}، فلما مررت باسم الله ذعرت منه فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فقرأت منها صدرا فكلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت ثم ترجع إلي نفسي. ثم قلت: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فقلت في نفسي: لا ينبغي أن يكون هذا كلام بشر!).
تجرأ إبن مسعود لما رأى من رقة عمر فقال له: أبشر يا ابن الخطاب! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم؟ أعز الدين بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو أبي جهل بن هشام، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك.
قال عمر: (دلوني على رسول الله)، فقصده ولما طرق الباب ذعر الصحابة الكرام لضعفهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:-ح: “افتحوا له، فإن يرد الله به خيرا يهده”.
قال عمر: (ففتح لي الباب فأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرسلوه”، فأرسلوني، فجلست بين يديه، فأخذ بمجامع قميصي ثم قال: ” أسلم يا ابن الخطاب! اللهم اهده!”، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله).
ثم قال: فكبر المسلمون تكبيرة سُمِعت في طريق مكة، فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء؟ فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها “.
بقي المسلمون يُضرَبون وعمر ينعم بجوار خاله المشرك، وكان كلما أسلم فيهم رجل صار الناس يضربونه ويضربهم، إلا عمر لم يجروء أحد على ضربه. إلى أن قصد خاله فقال له:اسمع! جوارك رُدَّ عليك! قال: لا تفعل، فأبى عمر، قال عن ذلك اليوم: (فما زلت أضرِب وأُضرَب حتى أظهر الله الإسلام).
قال بعض الصحابة عن إسلام عمر: (إن إسلامه كان فتحاً وإن هجرته كانت نصراً وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتلَ قريشاً حتى صلّى عند الكعبة وصلينا معه)، وعن عبد الله بن مسعود قال: (مَازِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ).
بإسلام حمزة وعمر تنفس النبي والمسلمون الصعداء، ولم يعد هذا الدين مقتصراً على الضعفاء والعبيد. وصار صوت المسلمين مسموعاً ولم يعد بمقدور المشركين أن يقولوا للعرب أن محمداً ساحر أو كاهن أو شاعر أو مجنون.
نستقي من هذه المرحلة الحكم التالية:
-هل يقف المسلم اليوم مع أدعياء الحضارة الحديثة وينحي باللوم على الإسلام بسبب تقهقر المسلمين أم يؤيد دينه ويفخر به ويعتز ويجاهر بأن هذا الدين حق؟
-مع كل إنسان يُسلِم، تُنقَذ نسمة من النار ويكثر سواد المسلمين.
-السعي لدعوة كبار القوم إلى الإسلام لعلهم يصبحون قدوة للباقين ونصرة للضعيفين وشحذاً لهمم المترددين.
-إسلام الكبار يفتح للدعوة فرصاً عديدة وآفاقاً جديدة .
-إسلام الكبار يعين الداعي للتفرغ للدعوة وترك بعض المشاغل والمهام لأولي العزم وأصحاب الكفاءات من الأصحاب.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي والحمد لله رب العالمين.