د. ميساء بنات*
48- العدد الثامن والأربعون شتاء 2019
نبذة عن البحث:
تحدث نوبة الصرع عندما تنشط الخلايا العصبية في الدماغ, ويمكن ملاحظة هذه النوبة عبر اجراء تخطيط كهربائي للدماغ (EEG). يصاحب نوبة الصرع فقدان مفاجئ للوعي وتقلص للعضلات مما يؤثر سلبا على حالة الاكتئاب. وقد سبق واستخدم الذكر على نطاق واسع لتحسين الاكتئاب، لكن القليل من الابحاث درست تأثير الذكر على نوبات الصرع. وقد أجرى هذا البحث فريق من العلماء المتخصصين، في الجامعة الإسلامية الحكومية التابعة للمؤسسة الإسلامية الحكومية في باندونغ بإندونيسيا:
UIN (State Islamic University), SunanGunungDjatiBandung, of IAIN (State Islamic Institute).Jl.A.H.NasutionNo.105Bandung,WestJava.Indonesia.
قوام هذا الفريق كل من:
ASulianti,YYulianti,RRiswanda,ADAmaliaandRAnwar.
يهدف هذا البحث إلى تحديد تأثير الذكر على نشاط الصرع لشابة تعاني من الاكتئاب. يستخدم البحث طريقة شبه تجريبية تم خلالها تطبيق الذكر بشكل دوري لمدة 4 أسابيع. اظهرت بعدها الدراسة انخفاض نوبات الصرع لدى المريضة إلى صفر رغم الظروف المجهدة التي كانت الشابة تحت تأثيرها. كما تبين تعزيز مقاومتها لنوبات الصرع والحد من نشاطها. توصي هذه الدراسة بامكانية تعميم النتائج على حالات شبيهة.
مقدمة:
الصَّرْع هو اختلال عصبي داخلي ينتج عن اضطراب الإشارات الكهربائية في خلايا الدماغ ويتميز بمجموعة من الاعراض الشائعة. من العوامل المؤثرة: التعليم المتدني، القدرات العقلية المنخفضة، العمر عند التشخيص، السن المبكر عند التعرض للنوبات، مدة النوبات، الادوية وكميتها. يشكل الصرع 1% من الأمراض في العالم على غرار سرطان الثدي لدى النساء و الرئة لدى الرجال. 80% من حالات الصرع تكمن في البلدان النامية.
الصرع حالة صحية تتطور إلى حالة مرضية واجتماعية. تنشأ المشكلة الطبية من تأثير المرض المباشر وآثاره الجانبية المزمنة. اما المشكلة الاجتماعية للصرع فتنشأ بسبب الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالصرع. اذ تتناقل المجتمعات الاساطير والمفاهيم الخاطئة عن الصرع بأنه مرض معدي أو وراثي أو أنه لعنة. ويتأثر الاشخاص المصابون بالصرع سلبا بهذه الخرافات أو المفاهيم المغلوطة فيحرمون من التعليم أو فرص العمل.
غالبا ما يرتبط الصرع بالعجز الجسدي الشديد والعواقب النفسية والاجتماعية لدى المصاب. يمكن أن تظهر مظاهر أعراض الصرع على مر السنين مما يتسبب بمعاناة طويلة لهم . تظهر نوبات الصرع عادة بشكل غير متوقع مما يؤدي إلى تخوف المصابين من القيادة، والسباحة، والنوبات في الاماكن العامة. بالتالي يمكن أن تسبب حالة الصرع إجهاد مزمن يؤدي إلى مشاعر غير مستقرة لدى المريض. ويزداد هذا الاضطراب العاطفي خاصة عند المرضى الذين يعانون من اضطراب في الجهاز الحوفي للدماغ وهو المركز العصبي للتحكم العاطفي. العلاقة بين نوبات الصرع والعاطفة علاقة ثنائية، إذ تؤدي المشاعر غير المستقرة إلى نوبات الصرع. وبالتالي فإن إدارة العواطف عند الأشخاص المصابين بالصرع تصبح مهمة.
يستخدم الذكر في نهج علم النفس الديني لتحقيق الاستقرار العاطفي، إذ يقرب الذكر العبد الى الله سبحانه وتعالى مما يزيد الوعي الذاتي لديه فيشعر بضعفه كإنسان أمام عظمة الخالق. على الرغم من أن طريقة الذكر استخدمت على نطاق واسع لإدارة المشاعر، إلا أن تأثير الذكر على حالات الصرع لم يدرس بشكل واف حتى الآن. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل التغيرات الناجمة عن استخدام الذكر على نوبات الصرع لدى شابة تعاني من اكتئاب حاد.
المنهج البحثي:
تعتمد هذه الدراسة على طريقة البحث التجريبي لموضوع واحد لاكتشاف العلاقة بين المتغيرات الثابتة والمتقلبة بحيث تقارن حالة المريضة قبل الذكر وبعده. طبقت هذه الدراسة على شابة تبلغ السادسة عشر من العمر وهي مصابة بالصرع (Grand Mal) منذ عمر الرابعة عشر وتعاني من اكتئاب حاد بحسب معيار حقوق الانسان HAM-D 17. أجريت هذه الدراسة بعد الحصول على موافقة مسبقة من المريضة. تستخدم هذه التجربة الذكر على الشكل التالي: الاستغفار، ثم ذكر “لا اله الا الله”، ثم الحمد لأنعام الله سبحانه وتعالى. ويتشكل مضمون الذكر من تلاوة سور الاخلاص، الفلق والناس بعد تأدية صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء والضحى والتهجد. قبل تطبيق الذكر، تخضع المريضة لفحوصات قد تصل إلى ثلاث مرات لتحديد وضعها قبل التدخل البحثي.
يتم تقيم نوبات الصرع من خلال الاستبيانات والملاحظات ودراسة التغيرات في الموجات الدماغية عبر إجراء تخطيط كهربائي للدماغ (EEG) ويستخدم فيه 20 وحدة لتثبيت الأقطاب الكهربائية على فروة الرأس بينما تستلقي المريضة على السرير ويطلب منها إغماض العينين لمدة 10 ثوان ثم تفتيحها لعشرة ثوان أخرى وذلك لعشر مرات متتالية. وقد لوحظ تغير في الموجات الدماغية خلال فترة الاسترخاء بينما كانت الأعين مفتوحة أو مغلقة، وحتى عند التكلم أو التفكير.
النتائج والتحليل:
عند تحليل الحالة تبين أن المريضة تعاني غالباً من الصداع عندما تكون متعبة. وتتحفذ نوبة الصرع لديها عند ازدياد التوتر والارهاق. تبدأ النوبة بشعور بثقل في الرأس كأنها على وشك الاغماء، وترتفع نسبة الكآبة لديها. تبدو مظاهر الاكتئاب لديها في جميع الحالات باستثناء حالة الأرق المبكرة، التأخر، والتفكر. يمكن ملاحظة التغيرات في نوبات الصرع ومستويات الكآبة في النموذج التالي (نموذج رقم 1).
نموذج رقم 1: تأثير الذكر على نوبة الصرع
تظهر نتائج هذه الدراسة ان الذكر يخفض من الاضطراب الكآبي، ومن نوبات الصرع، ويزيد من القدرة على مقاومة مسببات نوبات الصرع. إذ انخفض مستوى الكآبة للمريضة من 28 (مستوى حد) إلى 5 (مستوى متدني).
للصرع تأثير جسدي واجتماعي وعاطفي سلبي على الأحداث، بالإضافة إلى تأثيره على الأعصاب التي يزعجها الصرع. تعتبر حالة الاكتئاب في العلاج ذات مستوى خطير. وهذا يتماشى مع دراسة تقارن التأثيرات النفسية للصرع مع أمراض مزمنة أخرى: الربو والسكري وسرطان الدم وفيروس نقص المناعة البشرية، مما يفسر بأن الصرع له تأثير اجتماعي حاد مماثل لمرض فيروس نقص المناعة البشرية. غالباً ما يُتهم المراهقون المصابون بالصرع بالتظاهر بالمرض والرفض وعدم الدعم. أما في هذه الدراسة فقد ازدادت حالة المريضة سوءًا بسبب عامل نفسي وهو طلاق الوالدين. وقد استجابت لهذا الضغط النفسي بتغيرات جسدية ونفسية لاستعادة التوازن. في العموم، الاستجابات العصبية للإجهاد تكون عبر تنشيط الجهاز العصبي والغدة النخامية – الغدة الكظرية (HPA) التي تبدأ معًا باحداث التغييرات في جميع أنحاء الجسم.
كل نفس ذات خصائص قدسية. الذكر هو أحد أشكال التأمل التي تساعد على الحصول على نقاء العقل وراحة البال. كما أظهرت الأبحاث التي أجرتها Maclean (1996) أن التأمل يخفض الإجهاد من خلال تحفيذ آلية هورمونات الستيرويد وهي الكورتيزول وهرمون النمو وهرمون الغدة الدرقية والتستوستيرون.
بحسب دراسة أجراها Jatupaiboon وآخرون تبين انه مع انخفاض الضغوطات النفسية يتقبل المريض وضعه ويشعر براحة نفسية فيستطيع مقاومة نوبات الصرع. من خلال الذكر، يتم تدريب المريض ليكون قادر على التركيز على معنى الحياة، ودور البشر في العالم، والغرض من خلق الإنسان. هذا الانخفاض في الإجهاد يزيد من مقاومة مسببات الصرع، وبالتالي فإن المريض يصبح أقل عرضة للاصابة بالنوبات.
الخاتمة
تخلص هذه الدراسة الى ان الذكرعامل اساسي في تحسين مستوى الاكتئاب من الشديد الى الخفيف مما يعزز القدرة على زيادة التحمل و بالتالي مقاومة نوبات الصرع.
*أستاذة في جامعة رفيق الحريري وعضو منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – لبنان.
للراغبين بالاطلاع على البحث بالتفصيل:
Dhikr to Manage Epileptiform Activity in a Teenager with Depressive …
www.iopscience.iop.org/article/10.1088/1757-899X/288/1/012015