هادي صلاحات
51- العدد الحادي والخمسون خريف 2019
هناك تداخل كبير بين عالم التلفاز والسينما وعالم ألعاب الفيديو، حيث تبنى الكثير من ألعاب الفيديو على مسلسلات وأفلام كما في لعبتي (The Godfather) و(The Walking Dead)، وقد يحدث العكس كما في سلسلة (Assassin’s Creed) والتي تم تحويلها عام 2016 لفيلم سينمائي.
وهناك أيضا ألعاب وأفلام ذات أصل مشترك، كما في الألعاب والأفلام المبنية على شخصيات القصص المصورة، كشخصيات عالم (Marvel)، مثل (Spider-Man) و(Iron Man)، وشخصيات عالم (DC) مثل (Superman) و(Batman)، وكذلك روايات (Harry Potter) والتي بنيت عليها العديد من الأفلام وألعاب الفيديو.
وتقدر إيرادات ألعاب الفيديو لعام 2017 بأكثر من 115 مليار دولار، وفي الولايات المتحدة وحدها تجاوزت الإيرادات 23 مليار دولار، أي أكثر من ضعف إيرادات شباك التذاكر (Box Office) البالغة 11 مليار دولار تقريبًا.
والفئة المستهدفة في ألعاب الفيديو ليست فئة الأطفال فحسب، حيث تتراوح أعمار 35% من اللاعبين حول العالم بين 21 و35 عامًا.
لذا فألعاب الفيديو تستحق تسليط الضوء، لأن أثرها قد يوازي –أو يفوق- الأفلام السينمائية في خطورته، لما فيها من تفاعل أكبر مع المحتوى. فعلى سبيل المثال، يمكن من خلال ألعاب مثل (Call of Duty) أو (Medal of Honor) وغيرهما الكثير، عرض الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة من وجهة نظر أمريكية صرفة تزيّف التاريخ، وتُظهر الجنود الأمريكيين كحماة للسلام، والتطبيع مع هذه الأفكار في أذهان الأطفال منذ صغرهم.
ألعاب الفيديو والمؤسسات العسكرية
تم إنشاء أول حاسوب للأغراض العامة (ENIAC) عام 1946، وبعدها بعامين فقط ظهرت أولى ألعاب الفيديو الحربية وكانت من إنشاء مكتب أبحاث عمليات الجيش، ومنذ ذلك الحين والعلاقة بين ألعاب الفيديو والمؤسسة العسكرية آخذة بالتعمق.
ديف أنتوني (DAVE ANTHONY) مصمم لعبة (CALL OF DUTY) عام 2004، ضليع في وضع سيناريوهات لنهاية العالم مع تصورات شاملة للحروب، وهو حاصل على مرتبة الشرف في علوم الحاسوب، ويتضمن ذلك الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية. يعمل الآن في المقر الرئيس للمجلس الأطلسي في واشنطن، وهو مؤسسة بحثية (THINK TANK) مؤثرة في مجال الشؤون الدولية، وذلك لمساعدة الولايات المتحدة للاستعداد للأسوأ. ويتمثل دوره في تحديد التهديدات غير التقليدية لأمريكا، من خلال تخيل مستقبل البلاد كما في ألعاب الفيديو، وتصور النهايات غير المتوقعة.
يستخدم الجيش الأمريكي الألعاب لتدريب جنوده، ففي عام 1997 كانت لعبة (Doom) تستخدم لتدريب مشاة البحرية (Marines)، ويتدرب الجنود الآن باستخدام أنظمة الواقع المعزز التكتيكية. ويعزو العديد من النقاد قسوة الحرب الحديثة إلى كونها تشبه إلى حد كبير ألعاب الفيديو.
ومن هنا طرأ التساؤل: ماذا لو أصبحت الحروب تحاكي ألعاب الفيديو بدلاً من العكس؟
أتت الفكرة من ويليام روبر (William Roper) مدير مكتب القدرات الاستراتيجية بوزارة الدفاع، منذ تأسيسه عام 2012، ومهمته دراسة أين تتجه الحرب، ومن ثم تطوير الأدوات التكنولوجية التي تساعد الولايات المتحدة على الانتصار.
وما يدل على نجاح المكتب وتزايد أهميته هو زيادة موازنته 18 ضعفًا منذ تأسيسه قبل أقل من ست سنوات، فالخدمات العسكرية تفكر بواقع اليوم، ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) تفكر بالمستقبل البعيد، أما روبر فيفكر بالغد المباشر.
ويقول روبر إنه في عصر إنترنت الأشياء (Internet of Things -IoT) لم تعد حواسنا تحدد حدود تصورنا، حيث سيعيش الجنود في المستقبل القريب في عالم يتوفر فيه كمّ لا محدود من المعلومات لمساعدتهم، كخريطة لجميع الجنود القريبين وصور حرارية وخرائط متغيرة باستمرار وإشعار عند انخفاض مستوى الذخيرة، مع خوارزميات التعلم العميق لتوقع خطوة العدو القادمة واقتراح خيارات لمواجهته، وكذلك مشورة استراتيجية تبنى على أساس خطة أولية للمعركة وتعدل مع استمرار المعركة.
وإذا كان يمكن من الناحية النظرية للجيش الاكتفاء بإرسال الآلات بدلا من البشر، لكن ذلك سيؤدي –حسب روبر- لمشكلة أخلاقية تتمثل بتفويض قرار قتل شخص ما لآلة، وأخرى تقنية تتمثل في أن الآلات حاليًا يمكنها اتخاذ قرارات جيدة فيما يخص أشياء رأتها من قبل فقط.
لذا فالتحدي قريبًا سيكون في حصول الجنود على أكبر قدر ممكن من المعلومات، مع قدر مماثل من التعلم بأبسط وأوضح الطرق، وفعل ذلك بمفردهم في البنتاغون هو –برأي روبر- “أصعب تحدٍ” لكن صناعة ألعاب الفيديو قد حققت ذلك بالفعل. فصناعة الألعاب، هي التي وضعت أفضل الطرق للاعبين للتعاون عبر البلدان كما لو كانوا يجلسون في نفس الغرفة، كما بنت واجهات سهلة للمستخدمين، لدرجة أن الألعاب الجديدة المعقدة لا تحتاج حتى للتدريب.
وقد لا ترغب بعض شركات ألعاب الفيديو في المشاركة بأمور عسكرية حربية، لكن هذا –على حد تعبير روبر- هو “نداء الواجب الحقيقي”.
وتتمثل المشاركة بأن تبني شركات الألعاب للبنتاغون الأنظمة التي يريدها مع إعطائه وصولًا حصريًا لمدة معينة، ثم كل شيء يمكن أن يعود إلى اللعبة. فيقول روبر: “نحن لا نملك المنتج، نحن نملك الوقت”.
وهكذا سيحصل الجيش الأمريكي على أفضل ما توصلت إليه شركات الألعاب، ويستقطب الموظفين ذوي الخبرة، أو يعطيهم صورة أشمل لتوسيع نطاق عملهم وضمان اتساق عملهم مع الأهداف المرجو تحقيقها، دون حاجتهم إلى الاجتماع بأعضاء آخرين. ولترغيب الموظفين بالتعاون، قد يتم تمكينهم من مرافقة فرق العمليات الخاصة لمكاتب وزارة الدفاع.
نشر القيم المنحلة
تعد قنوات ألعاب الفيديو من أكثر القنوات متابعة على يوتيوب، فالقناة الشخصية الأكثر متابعة على الموقع هي قناة (PewDiePie) التي يتابعها أكثر من 59 مليون شخص،(مئة مليون شخص بحسب الإحصاءات)، وهي للاعب ألعاب فيديو، وقد تجاوز مجموع المشاهدات في الثلاثين يومًا الماضية 300 مليون مشاهدة على هذه القناة وحدها، أي لو كانت مدة كل مشاهدة دقيقة واحدة فقط، فإن عدد ساعات المشاهدة يتجاوز 570 سنة، مع العلم بأن مدة الفيديوهات على القناة تتجاوز العشر دقائق، وتصل مدة بعض الفيديوهات إلى بضعة ساعات.
والكثير من الألعاب التي يتم عرضها (لعبها) في هذه القنوات تساهم بنشر القيم والأفكار المنحلة. ففي لعبة (Night in the Woods) مثلًا يجب على اللاعب في إحدى مهمات اللعبة حل خلاف بين اثنين من الشاذين، بتذكير كل واحد بمفاتن الآخر، والأمر لا يختلف كثيرًا في لعبة (South Park: The Fractured but Whole).
وفي الجزء الخامس من لعبة (Lakeview Cabin) يجب القيام بطقوس شيطانية تتضمن قيام اللاعب بالسفاح، وذلك أمام الكاميرا مباشرة، لكن الصورة لا تكون واضحة بسبب شكل اللعبة الكلاسيكي القديم، رغم أنها لعبة جديدة صدر آخر أجزائها مؤخرًا.
وأما شركة (Rockstar games) فمعروفة بسلسلة GTA التي يتخذ اللاعب فيها دور رجل عصابات، بكل ما في الأمر من انحطاط يتضمن القتل والسرقة والزنا والذهاب إلى الملاهي الليلية… إلخ. ومن ألعاب الشركة ذاتها لعبة (Bully scholarship edition) وهي مشابهة للسلسلة السابقة لكن داخل نطاق مدرسة، وفيها إمكانية إهداء الزهور والحلوى لطلاب المدرسة الذكور وتقبيلهم.
ويزداد الأمر سوءًا في ألعاب من نوع (Interactive Story Games)، ففيها يتخذ اللاعب بملء إرادته القرارات التي تحدد مصير القصة، ومن الأمثلة على هذا النوع لعبة (Life is strange: before the storm) التي يأخذ اللاعب فيها دور فتاة تكسر القوانين، وتعطي اللعبة الخيارات التي تسمح للشخصية بالتلفظ بأبشع الألفاظ وتعاطي المخدرات عدا تخريب الممتلكات العامة. ويتقاطع طريق هذه الفتاة مع فتاة طيبة مجتهدة، وبالتدريج تبدأ اللعبة بوضع بذور الحب الشاذ بين الشخصيتين، من خلال مواقف وظروف مشتركة مرسومة بطريقة سينمائية مغرية ومدروسة، فيتدرج الأمر من إعطاء اللاعب الخيار بقول عبارات المديح الزائد إلى مداعبة خصلات الشعر وصولًا إلى تقبيل الفتاة بمشهد درامي في ليلة ثلجية.
وأخيرًا لعبة (Dream Daddy: A Dad Dating Simulator)، والتي يأخذ فيها اللاعب دور أب وحيد يأتي مع ابنته إلى حي جديد، والهدف من اللعبة هو “مواعدة” كافة الآباء في الحي.
وغني عن الذكر أن على أصحاب قنوات الألعاب اللعب بالطريقة الأكثر جذبًا للمتابعين والتي تضمن أعلى قدر من المشاهدات. وقد يتصرف اللاعبون بالكثير من التصرفات الشاذة من باب الفضول أو التجربة.
وتتفاقم المشكلة مع تطور الرسوميات وتسارع التقدم التقني في مجالي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، فضلا عن استخدام مثل هذه التقنيات في الألعاب ذات المحتوى الإباحي.
لذا فإن ألعاب الفيديو شأنها شأن جميع أدوات الإعلام، يجب عدم الاستهانة بمحتواها، والتعامل معها بانتباه ووعي.(فالخطر كبير).
https://al-sabeel.net › الوجه-الآخر-لألعاب-الفيديو, Jan 21, 2018
المصادر والمراجع:
http://independent.co.uk/life-style/gadgets-and-tech/features/call-of-duty-designer-dave-anthony-is-advising-america-on-the-threats-that-could-cause-the-end-of-a6703471.html
https://newzoo.com/insights/rankings/top-100-countries-by-game-revenues/
https://selectusa.gov/media-entertainment-industry-united-states
https://socialblade.com/youtube/user/pewdiepie
https://statista.com/statistics/722259/world-gamers-by-age-and-gender/
https://wired.com/story/will-roper-pentagon-video-games/