أ. زينب ضاهر حيدر
حث سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- على التداوي بالعلق في قوله صلى الله عليه وسلم: “خير الدواء المشي، والحجامة، والعلق”، فما هي العلق وكيف تعالِج هذه الدودة الأمراض؟
تعريف العلق
العلق نوع من الحيوانات يتبع الفصيلة العلقية، وهي دودة معروفة علمياً باسم (Hirudo medicinalis)، تعيش في مياه البرك والمستنقعات وتتغذى على الضفادع والأسماك واللافقاريات الأخرى، وهي قادرة على استيعاب كمية من الدم قد تصل من 5-10 أضعاف وزنها تقريباً.
هي حساسة للاهتزازات على الماء واللمس والضوء والحرارة والصوت والمواد الكيميائية المختلفة. وهي متعددة الأجزاء، بما في ذلك “أجزاء الدماغ”، ولكل جزء أعضاء مختلفة مثل العقدة والخصيتين. جزءان ماصّان يعملان على الزحف والالتصاق؛ يحتوي الجزء الأمامي على ثلاثة فكوك بما في ذلك العديد من الأسنان. إنهم يعضون بشكل عام الأجزاء الدافئة من المضيف ويمتصون دمه بتقلصات إيقاعية. تستغرق التغذية عادةً حوالي 40 دقيقة وتهضم العلقة 10-15 مل من الدم لكل رضعة. يتم الهضم عن طريق العديد من الإنزيمات والكائنات الحية الدقيقة المتبادلة مثل Aeromonas hydrophila وPseudomonas hirudinia.
بحسب العديد من الدراسات، تحتوي إفرازات العلق على العديد من الجزيئات النشطة المختلفة. تم التعرف على أكثر من 20 جزيئًا وطرق عملهم، ولا يزال الكثير منها قيد الاستكشاف. تحتوي هذه الجزيئات على وظائف مسكنة ومضادة للالتهابات ومثبطة للصفائح الدموية ومضادة للتخثر ووظائف منظمة للثرومبين، بالإضافة إلى تأثيرات مضادة للبكتيريا ومحللة للنسيج البيني خارج الخلية.
يوجد أكثر من 600 نوع من أنواع العلقات في جميع أنحاء العالم، ومعظمها، ولكنها ليست جميعها، من مصاصي الدم. وهي خنثى، لذلك كل علقة فردية لها أعضاء ذكورية وأنثوية، ومع ذلك، فإنها لا تزال بحاجة إلى رفيقة للتزاوج.
يمكن أن تحتوي على ما يصل إلى 8 أزواج من بقع العين، والتي تستخدمها للكشف عن ظلال الفريسة المحتملة.
العلاج بالعلق
يُعتبر العلاج بدودة العلق هو أحد ممارسات الطب التقليدي التي تستخدم منذ عدة قرون، ويُسمّى بـ Medicinal leech therapy (MLT) أو Hirudotherap، لا تمتلك دودة العلق عيون أو أجهزة سمعية وهي تساعد على إزالة السموم عن طريق امتصاص الدم الملوث من الجسم حيث أنها تمتلك 104 مادة حيوية نشطة مختلفة، وتعتبر هذه الطريقة طريقة علاج بيولوجي ممتازة.
يتم الحصول على هذه العلقات من مجموعات أسيرة تم تربيتها في بيئات خاضعة للرقابة، للمساعدة في تقليل المخاطر المحتملة للعدوى، وتحتفظ المستشفيات بحوالي 100-200 علقة للاستفادة من هذه القدرة على تنظيف الأوعية الدموية.
يعتبر استخدام العلق في التطبيقات الطبية، هو الأقدم تاريخياً، وقد سجل التاريخ بأن المصريين من أقدم الشعوب على الأرض التي كانت تستخدم العلق كعلاج طبي لأمراض شتى منذ أكثر من 3500 سنة خلت، كما أن استعمالات العلق، كانت هي الأكثر شعبية في فترة العصور الوسطى في أوروبا وغيرها من بلدان العالم.
كما كان العلاج بالعلق يمارس تطبيقياً في أميركا منذ عام 1800 لعلاج الكثير من الأمراض السارية، ووصل استغلالها إلى ذروته في عام 1830، عندما استخدمها الأطباء في امتصاص الدم، في محاولة لعلاج كل شيء بدءاً من البواسير إلى الصداع والاكتئاب.
تم اختبار العلاج بالعلق الطبي سابقًا ويستخدم على نطاق واسع بعد التطبيقات التجميلية والترميمية والجراحية المجهرية، وفي أمراض القلب والأوعية الدموية، وتجلط الأوردة العميقة، ومتلازمة ما بعد الالتهاب، ومضاعفات داء السكري، وطنين الأذن، والتهاب الأذن الوسطى الحاد والمزمن، وفي تقليل آلام التهاب المفاصل.
كما تُعتبر دودة العلق أنجع وسيلة لعلاج آلام المفاصل، آلام المفاصل المزمنة أمر يصعب تحمله، ورغم محاولة الأطباء تخفيف الآلام باستخدام بعض الأدوية مثل مضادات الالتهاب، لكن هذه الأدوية لا تعد بالشفاء دوماً، وهنا تماما تظهر معجزات دودة العلق.
إن أول إجراء يقوم به الاطباء لعلاج التهاب المفاصل هو تصوير منطقة الألم بالأشعة السينية للمريض ومن ثم إجراء العلاج اللازم. طرق العلاج مختلفة، إذ يلجا بعض الأطباء إلى علاج الألم بالرنين المغناطيسي، بينما يكتفي البعض باستخدام مسكنات ومضادات الالتهاب. قد تساعد هذه الطرق على تخفيف الألم لكن نسبة الشفاء لا تتجاوز الـ 50 بالمئة، الأمر الذي يدفع بعض المرضى للتوجه إلى العلاج بالطب البديل.
يعود علاج الألم والالتهاب إلى القرن التاسع عشر، إذ كانت الدودة تستخدم كثيراً في لعق الالتهابات والدم الفاسد.
تُستخدم العلقات أيضاً للمرضى الذين خضعوا لعملية إعادة ربط إصبع أو جراحة في العضلات، إذ تمتص العلقات الدم المحتقن للسماح بتدفق الدم إلى الأطراف، ومعظم جروح اللدغة تلتئم دون ندبة، بسبب مضادات التخثر في لعاب العلقة، فإن الأمر قد يستغرق أحيانا عدة أيام حتى يتوقف النزيف.
أدى العلاج بالعلق إلى معركة سخيفة إلى حد ما بين الصيدليات المتنافسة، التي أنتجت على نحو متزايد أوعية متقنة للاحتفاظ بالعلقات من أجل جذب العملاء لاختيار منتجاتهم.
تركز العديد من دول العالم على تربية دودة العلق لاستخدامها الطبي او في صنع مستحضرات التجميل، فروسيا واوكرانيا وتركيا تربي فصيلة “فيربانا” وانكلترا والمانيا وإيران تربي فصيلة “ميديسيناليس”. وتستخدم المانيا هذه الفصيلة من دودة العلق لصنع الأدوية، وتباع في ألمانيا بالعملة الصعبة، وتستخدمها سويسرا لصنع مستحضرات التجميل وتستخدمها فرنسا كمواد اولية لصنع الادوية.
واليوم، لا تزال العلقات تُحفظ للاستخدام في كل من الطب البشري والحيواني في جميع أنحاء العالم وتمت الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في عام 2004 باعتبارها “أجهزة طبية”.
خاتمة
في ظلّ التغيّرات التي تطال المجتمعات كافة، من الثورة التكنولوجية، إلى ثورة المعلومات وغيرها، لا ينفكّ يبحث الإنسان عن نفسه، عبر العودة إلى الطبيعة والعودة إلى الإنسانية، فتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صيحات “الأكل الصحي”، “الاستيقاظ عند الفجر”، “العودة إلى الأخلاق”، يرافقها التداوي بالعلاج الطبيعي.
ومع عودة الإنسان إلى إنسانيته، وفطرته السليمة، لا بدّ أن يسطع نور الطبّ النبوي الشريف ليعالج مرضى الأجساد كما يعالج مرضى القلوب والأرواح.
مصادر:
مقالة تحت عنوان ” دودة العلق.. علاج للمرضى في تركيا” على موقع الجزيرة، الرابط: هنا
مقالة تحت عنوان ” دودة العلق أنجع وسيلة لعلاج آلام المفاصل” على موقع دويتشه فيلا، الرابط: هنا
دراسة باللغة الإنجليزية تحت عنوان ” Medicinal leech therapy—an overall perspective”، الرابط: هنا
مقالة تحت عنوان “ديدان العلق الطفيلية.. هل هي كائنات مفيدة أم ضارة؟”، الرابط: هنا
مقالة تحت عنوان ” شاب إيراني يربي «دودة علق» للاستخدامات الطبية” منشورة على موقع جريدة الوفاق الإلكتروني، الرابط: هنا
مقالة نٌشرت في العدد 57 من مجلة منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، لتحميل المجلة الضغط هنا.