العدد الثاني والخمسون شتاء 2019
(…) تعمي غشاوة الحب بصيرة العاشق؛ فقد نرى أحيانا بعض الناس الذين نعرفهم متيمين بالحب لدرجة أنهم يعجزون عن رؤية عيوب من يحبون.
وقد يستاء المرء حين يرى صديقا له يرتبط بشريكة حياة لا تصلح له ولا تليق به. لكن هل لاحظت أن جميع محاولاتك للفت انتباهه لعيوب شريكة حياته الجديدة ستذهب سدى؟ فأحيانا عندما ترى صديقك فخورا بشريكة حياته الجديدة، قد تشعر أنه إما يبالغ، أو أن تفكيره مشوش.
وعلى الرغم من أهمية قرار اختيار شريك الحياة المناسب، الذي قد نقضي معه بقية حياتنا، هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أننا لا نحسن تقييم سمات الأشخاص المقربين منا ومميزاتهم: إذ يعمي الحب أعيننا عن حقيقة الأشخاص المحيطين بنا.
عرض باحثون في إحدى الدراسات على بعض المشاركين المرتبطين بعلاقات عاطفية، صورا لرجال أو نساء غرباء يتمتعون بجاذبية، ثم طلبوا منهم أن يكتبوا عن اللحظات الرومانسية الأخيرة أو الأحداث العشوائية التي جمعتهم مع شركاء حياتهم، على أن يذكروا عدد المرات التي تقفز فيها إلى ذهنهم صورة المرأة أو الرجل الغريب. وخلصت الدراسة إلى أن احتمالات التفكير في شخص آخر جذاب تقل عند التركيز على المميزات التي نعشقها في شركاء حياتنا. وهذه النتيجة ليست مستغربة، لأن الشعور بالالتزام حيال شريك الحياة يكبح رغباتنا في النظر إلى شخص آخر.
وأشارت دراسة نشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي وعلم نفس الشخصية، إلى أن البشر من مختلف الثقافات، يفضلون الجاذبية واللطف والمركز الاجتماعي، أي الحالة المادية، عند البحث عن شريك الحياة. ويشار إلى هذه السمات الثلات بأنها “الثلاث الكبرى.” وبينما يتفاوت تقييم الناس لهذه السمات من ثقافة لأخرى، فإن الناس بشكل عام يهتمون بالجمال ودماثة الخلق ومدى قدرة شريك الحياة على التكفل بمصاريف المنزل.
ويشير غارث فليتشر، أستاذ علم النفس الفخري بجامعة فيكتوريا باستراليا، إلى أن الحيوانات أيضا تدقق في اختيار أقرانها للتزاوج. فأنثى الطاووس، مثلا، تختار الذكر بحسب طول ذيله. لكن البشر ينبغي أن يكونوا أكثر دقة عند اختيار شركاء حياتهم لأنهم سيرتبطون بهم مدى الحياة. فإذا أسأنا اختيار شريك الحياة، قد تصبح جاذبيته أو دماثة خلقه بلا قيمة لاحقا. ويقول فليتشر إن علماء النفس يصفون المغالاة في تقدير صفات شريك الحياة بأنها تحيز إيجابي، كأنك ترى معشوقك بمنظار وردي.
وعلى النقيض، قد تبالغ في انتقاد جاذبية شريك الحياة وتبخسه حقه، وهذا يسمى بالتحيز السلبي.
وقد نعمد أحيانا إلى تقدير بعض سمات شريك الحياة بالمقارنة مع مميزاته وخصاله الأخرى. ويقول فليتشر: “قد تعطي مثلا لشريك حياتك الدرجة النهائية في الجاذبية، بينما تعطيه ستة من سبعة في اللطف وخمسة من سبعة في المركز الاجتماعي”.
وقد يوافق الغرباء على أن شريك حياتك بالفعل ليس عطوفا بقدر جاذبيته، أو أن لطفه يطغى على مكانته الاجتماعية، لكنهم قد يعطونه درجات أقل في كل من السمات الثلاث لأنهم يرونه على حقيقته. ويقول فليتشر إن الناس ينزعون إلى التركيز على محاسن شركاء حياتهم والمبالغة في تقديرها، لكنهم في الوقت نفسه يجيدون تقييم السمات بالمقارنة بغيرها.
فإذا كنت تبحث عن المركز الاجتماعي والمكانة، فمن المرجح أن تنجذب للأشخاص الذين يتميزون عن غيرهم بمكانتهم الرفيعة، لكن تقديرك لمكانتهم قد يختلف نسبيا عن تقدير الآخرين لها، لأننا بشكل عام نضخم محاسن من نحب.
وخلصت دراسة أجراها فليتشر عام 2015، إلى أن التحيز الدائم لشريك الحياة، بأن يكون تقديرك لمحاسنه أعلى من تقدير الآخرين لها، يعد من أهم العوامل التي تحدد مدى سعادتك في علاقتك العاطفية.
وقد تسمع الناس دائما يقولون إنهم يريدون أن يراهم الآخرون على حقيقتهم، بما يتسق مع نظرتهم لأنفسهم. لكن في حالة العلاقات العاطفية، قد يرغب الكثيرون في قرارة أنفسهم أن يراهم شركاء حياتهم بعين لا يراهم بها الآخرون، أي أفضل قليلا من الحقيقة، وهذا يتجلى في صورة تحيز إيجابي مبالغ فيه.
ويقول فليتشر، إن مهمتك دائما هي تحفيز شريك حياتك ورفع معنوياته. فإن الناس عادة يحبون أن يركز شركاء حياتهم على محاسنهم ويمتدحوا إيجابياتهم. ويرى فليتشر أن التحيز لشريك الحياة هو أساس العلاقة الغرامية الناجحة والسعيدة، وبمجرد أن تتوقف عن مدح محاسنه وتحفيزه، قد يظن شريك حياتك أنك تريده أن يتغير، وأنه لم يعد جديرا بك.
ويقول فليتشر، إن اهتمامك بنظرة شريك حياتك لك مهم أيضا للحفاظ على علاقة سليمة، إذ نعمد دائما إلى البحث عن الصفات التي يرغب شركاء حياتنا في أن نتحلى بها.
لكنه يحذر من أن وجود مشاكل في التواصل بين الشريكين والتحيز السلبي لشريك الحياة، أي خفوت جاذبيته في نظرك، تعد من العلامات الأولى التي تنذر بانهيار العلاقة.
وينصح فليتشر عند الارتباط بشريك أو شريكة حياة بأن تدرك أنك ستراه عبر منظار وردي. ويقول إن الحب يفرض التزامات على الطرفين، منها أن يكون المعشوق في نظر العاشق أجمل من الحقيقة. وقد يدفعنا التحيز الإيجابي لغض الطرف عن العيوب الطفيفة وتحفيز شريك الحياة بمجرد أن تأخذ العلاقة العاطفية منحى جديا.
لكن فليتشر يحذر من إسباغ صفات مثالية على شريك الحياة، لأن المغالاة في تقدير محاسنه قد تحجب عنك بعض مساوئه. ويقول إن العشق يتعارض مع الموضوعية، فهو تجربة عاطفية ومعرفية في آن واحد، تقودك إلى علاقة طويلة الأمد.
وأشار بحث أجري عام 2014 إلى أن تحفيز أصدقائنا ودعمهم أيضا يسهم في توطيد علاقات الصداقة. وتقول أبريل بليسك ريشيك، عالمة النفس بجامعة “ويسكونسين بمدينة أو كلير” وشاركت في إعداد الدراسة، إن النساء كما هو معلوم يتنافسن في الجاذبية، لكنهن يرون أصدقائهن المقربات أكثر جاذبية منهن.
وترى ريشيك أنه من المفضل أن تبحث المرأة عن صديقات يتمتعن بجاذبية معقولة، بحيث لا يخطفن منها الأنظار. لكن هذه المنافسة بين النساء تحفزهن دائما على الحفاظ على جاذبيتهن بالمقارنة بالأخريات.
ويقول تي تاشيرو، مؤلف كتاب “مبادئ الحياة الزوجية السعيدة”، إن العاشق أيضا قد يعمد إلى التقليل من تأثير العوامل البيئية، مثل الانسجام مع أصدقاء شريكة الحياة أو عائلتها، على سعادته معها. لأن شريكة حياته تستأثر بكل اهتمامه حتى أنه قد لا يرى هذه العوامل المحيطة بها والتي قد يكون لها أثر عميق على العلاقة العاطفية.
لكن بعد الانفصال عن شريك الحياة، ستنقشع غشاوة الحب. ويقول تاشيرو، إن خروج شريك الحياة من حياتنا يجعلنا نرى العوامل المحيطة به التي أثرت على علاقتنا بوضوح وموضوعية.
ويقول تاشيرو إن الحب يصم الآذان عن نصائح الأصدقاء المفيدة. فمن الصعب أن تنصح صديقك الذي تورط في علاقة غرامية غير متكافئة، لأنه لا يرى سوى إيجابيات شريكة الحياة. وربما يصبح بعد انفصاله عنها أكثر موضوعية وتقبلا للنصائح. ففي هذا الوقت، قد يفكر ويدرك أن علاقته كانت مليئة بالمشاكل.
فإذا رأيت أصدقاءك ينخرطون في علاقة عاطفية تبدو غير مناسبة، تذكر أن شركاء حياتهم في نظرهم أفضل من الحقيقة. وقد يصم العشق آذانهم عن نصائحك ويعمي أبصارهم عن رؤية من هم أفضل منهم في الوجود. صحيح أن تقييمهم لصفات محبيهم قد يكون خاطئا، لكن كلنا (تقريباً) وقعنا في هذا الخطأ(من قبل).
* بريد القراء. المصدر: بي. بي. سي.