زينب ضاهر*
49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019
أبرز ما يشكّل شخصية الإنسان هو ما يمرّ به في طفولته، وبناء الإنسان الصحي هو مسؤولية الوالدين والمجتمع والمؤسسات الدينية والاجتماعية، وعلى الأهل ممارسة الدور الأولي في تشكيل شخصية الطفل السويّ وتطوير مهاراته وتربيته التربية السليمة، وهي مهمة قلّما يلتفت إليها الأهل في أيامنا هذه.
نستعرض أدناه بعض الجوانب المهمة المتعلقة بالطفل في عمر السابعة، وعلاقة الأب بشكل خاص بابنه وابنته، وكيفية التأثير على هذه العلاقة من خلال الإعلام الذي يُظهر الأب بصورة مخالفة لدوره الطبيعي، ما يُحدث خللاً في شخصية الطفل المُشاهِد ويؤثر بالتالي على المجتمع بأكمله الذي بات التلفزيون مرجعيته الأولى هو ومواقع التواصل الاجتماعي، وغاب الأب عن دوره وعن عائلته، وغاب الإنسان بالتالي عن دوره في مجتمعه وتخلخلت الأدوار كافة، على أمل أن يستعيد كلّ منا وعيه وإدراكه بمسؤوليته ويقوم بواجبه من أجل تنشئة جيل قوي سوي يرتقي بالمجتمع.
تربية الطفل في سن السابعة
تحدث أهم التغيّرات في الدماغ في عمر السابعة، حيث يحصل النمو الأكبر لكل من الفص الجبهي والفص الصدغي أكثر من أي عمر آخر، وهما المسؤولان عن العمليات المعرفية. وتقوم هذه الفصوص في نفس الوقت بإجراء وصلات عصبية مع النظام الذي يسيطر على المشاعر. بمعنى آخر، تخضع عمليتا التفكير والمشاعر إلى تعديل شامل.
ويقول مايكل غوريان Michael Gurian المعالج وكاتب كتاب “NURTURE THE NATURE: Understanding and Supporting Your Child’s Unique Core Personality”: تزدهر مناطق في الدماغ متخصصة بعملية التعلم عبر العلاقات الاجتماعية لدى الأطفال من عمر السابعة إلى العاشرة. وهناك أربع مناطق تتغير هي الآتية:
– مناطق التعرف والتربية: في عمر السابعة، يبدأ الطفل باستعمال عدد أكبر من الكلمات، يتحسن كلامه وكتابته، ويتذكر بشكل أكبر الكلمات ومذاكرته المدرسية. ويصبح بشكل عام أنضج عما كان من قبل.
بحسب غوريان، يتطور النمو اللغوي لدى الصبيان والفتيات في عمر السابعة مع تفوّق الفتيات على الصبيان في استعمال الألفاظ. إذ لدى الفتيات قدرة أكبر من الصبيان على الكتابة واستعمال كلمات أكثر عند التكلم.
– المشاعر: يزداد تطور المشاعر، ويصبح لدى الأطفال في سن السابعة القدرة على التعامل مع مشاعرهم والتعبير عنها بكلمات. يميل الصبيان إلى البكاء أقل من الفتيات ويحاولون التعامل مع الصعوبات وعدم إظهار ضعفهم، ويميلون إلى الانسحاب من المواقف بشكل أكبر من الفتيات. بينما تميل الفتيات إلى البكاء للحصول على المساعدة بدلاً من الانسحاب ويطلقون السراح لمشاعرهم ويعبرون عنها بحرية.
– العلاقات الاجتماعية: في هذا العمر، تزداد العلاقات لدى الأطفال، وتميل الفتيات إلى الحصول على علاقات مع الأخرين، أكثرهم من الصبيان، وإن كانت متقلبة، وهو أمر طبيعي، فقد تصبح صديقة الفتاة عدوّتها في اليوم الثاني. أما الصبيان فلديهم علاقات أقل من الفتيات ولكن علاقاتهم أكثر ديمومة.
يقول غوريان أنه في هذه المنطقة، على الأهل القلق عندما يقوم طفلهم في عمر السابعة بالانسحاب الكلي وعدم محاولة تشكيل أية علاقة.
– الأخلاق: للمرة أولى، يطور الأطفال حسّ العدالة ويستطيعون فهم التوازن بين العدل والظلم بشكل أفضل. وهو أمر ينطبق على الصبيان والفتيات على حد سواء. ولكن لدى الفتيات نطاق أوسع بفهم ما هو جيد أو سيء. ولدى الصبيان اندفاع بدني أكبر في هذا العمر. وعلى أهلهم وضع حدود لأفعالهم الجسدية، التي من خلالها يعبرون عن حبّهم، لا من خلال الكلمات.
إن عمر السابعة هو عمر رائع لتطور الأطفال، لديهم شغف للتعلم وشغف للحياة، وليس من الضرورة ملء وقت الطفل بالنشاطات والرياضات، فالقليل يكفي الدماغ لأنه سيتخلص بدوره من كل ما هو زائد ولا حاجة له.
تكمن أهمية سن السابعة في أنها المحطة الاولى لوعي الصبيان لما يدور حولهم وللدور الذي يتمنون أن يقوموا به في هذا المحيط، وهم في الوقت ذاته لينون كالعجينة بيض على الفطرة كاللبن.
إنها سن استثارة العاطفة والعقل معاً للذهاب يميناً أو يساراً، وورد سن السابعة في الحديث الشريف: “مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ” (رواه أحمد وأبو داود)، وقد ورد في الأثر (قول لسيدنا علي رضي الله عنه): لاعِبْ ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، وصاحبه سبعاً.
العلاقة الأبوية وأهميتها
بحسب ايفون داللير (Yvon Dallair, 2011)، أشار علماء النفس إلى وظيفة الأب في خمسة مجالات محددة:
1) الحماية: كانت الحماية سابقاً تعتمد على القوة الجسدية للحماية من الأخطار الخارجية، يقع على عاتق الرجل الآن تأمين الحماية لأولاده ولزوجته الذين يعتمدون عليه، لذلك يجب أن يكون متواجداً جسدياً ونفسياً، ومنحه من قبلهم القيمة والمكانة اللازمتين للقيام بهذه الوظيفة.
2) التعليم: على الوالد تعليم أولاده السيطرة على النفس، الابتعاد عن الاشباع الفوري لحاجاتهم ولذّاتهم. عليه أن يعلّمهم الصبر، ويساعدهم على وجه الخصوص على توجيه عدوانيتهم نحو التعبير الإيجابي والبناء. وبالتالي، على إدارة شؤونهم الخاصة.
3) المبادرة: من وظائف الأب تعريف الأولاد على الضغط والحاجة التي يتعرض لها الإنسان بشكل عام في الحياة، وذلك من أجل دمجهم في عالم الكبار والمجتمع. فيعرّفهم على قوانين المجتمع ليستطيعوا العيش فيه. وقد يكون من أسباب زيادة جنوح الأحداث، تراجع الأب عن تأدية هذا الدور، فيصبح الأولاد جانحين لاعتقادهم بأن كل شيء هو ملك لهم، والناس جميعاً في خدمتهم.
4) الفصل: من وظائف الأب فصل الأم عن الطفل والأم عن الأب، وليس تشكيل علاقة ثلاثية يضيع فيها هوية كل واحد من هؤلاء. يسمح الأب ببقاء ونمو طفله، كذلك يسمح ببقاء ونمو المرأة المتواجدة في الأم.
5) النسب: يحتاج كل طفل إلى معرفة بأن لديه أم وأب، وبأنه ينحدر من سلاسة لها تاريخ. يحتاج إلى الشعور بالارتباط بالإنسانية، وبأنه جزء من عائلة كبيرة.
وبحسب موقع (www.kidcentraltn.com) التابع لقسم الصحة والخدمات الإنسانية في ولاية تينيسي في الولايات المتحدة الأميركية، يلعب الأب دوراً مهماً في تنشئة شخصية الطفل، فالأب الحاضر في حياة الطفل يشارك بتنشئة صحته العاطفية، نموه الاجتماعي واحترامه لنفسه. ولدى استجابة الأب لبكاء طفله، الاهتمام به واحتضانه تأثير ايجابي على ثقة الطفل بنفسه وعلى سلوكه. وأظهرت الدراسات أن تواجد الأب في مرحلة الطفولة واشتراكه فيها يقلل نسبة إصابة ابنه بأعراض مشاكل الصحة العقلية عند بلوغه التاسعة من العمر، وتبنيه سلوكيات خطرة.
ومن العوامل التي تعزز نجاح الطفل في مدرسته، تشجيع الأب طفله عند قيامه بعمل جيد أو تحقيقه لعمل ما عبر تقبيله أو احتضانه، ومواساته عند حزنه أو خوفه. وذلك بغض النظر عن المستوى الاقتصادي للأسرة.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن الأب المشجع والذي يتعامل بهدوء عندما يخطئ ابنه يربي صبياناً أقل عدوانية وفتيات أقل سلبية مع رفاقهنّ. وأظهرت دراسات أخرى أن الأب الذي يشارك في تربية ابنته منذ الصغر قد تتعرض بشكل أقل إلى البلوغ المبكر، التجارب الجنسية المبكرة وحمل المراهقات. يؤدي وجود الأب إلى تنشئة صبي ذو مشاكل سلوكية أقل، وفتاة ذات مشاكل نفسية أقل.
تؤدي مشاركة الأب في تنشئة الطفولة المبكرة إلى النمو الايجابي للطفل، بما فيه تطوير نمو اللغة إذ يستعمل الأب كلمات جديدة في حين تكرر الأم الكلمات نفسها.
يؤثر تعلق الطفل بأهله في طريقة فهم الطفل للعلاقات مع الآخرين من حيث تشكيل بناء نماذج عملية داخلية لديه. بحسب دراسة أجراها لامب وشركاؤه (Lamb et al 1982)، تبين لديه أن التعلق الآمن للطفل بأبيه يجعله اجتماعياً مع الغرباء. وبحسب بيلسكي، غاردوم وهرنسير (Belsky, Garduque and Hrncir 1984) ارتبط تعلق الطفل بأبويه خاصة بأمه، بارتفاع مستوى المهارات المعرفية لدى الطفل.
الأبوان في الاعلام
لم يساعد الاعلام بشكل عام، والمسلسلات والأفلام التي تتوجه للأطفال بشكل خاص على تقديم صورة بناءة تعزز الدور الإيجابي للأب، تقول الأم في فيلم “Honey, I Shrunk the Kids”: “الأباء يساوون التسلية، والأمهات تساوي العمل”.الصورة العامة للأباء هي الأب المُسلّي، غير المسؤول الذي يعرض أطفاله للخطر، المرح، إما غائب أو سيّئ. بينما الأم عاملة جدّية يُعتمد عليها، وعليها حماية أبنائها.
وأظهرت دراسة قامت بها سافانا كينان Savannah Keenan من جامعة يونغ بريغام Brigham Young University في الولايات المتحدة الأميركية، أن حولي 40% من السلوكيات الأبوية في المسلسلات المتلفزة التي تتوجه للأطفال بين التاسعة والرابعة عشر من العمر، كـ ” Good Luck Charlie” و “Girl Meets World” على قناة ديزني، هي سخيفة وتهريجية. ويرّد الأبناء على الآباء بنسبة 50% بشكل سلبي، غالباً ما يكون عبر تدوير العينين، الاستهزاء بآبائهم، انتقادهم بشكل لفظي أو سلوكي، المشي بعيداً والتعبير عن انزعاجهم.
بحسب هذه الدراسة، يتصرف الأب بشكل مهرج كل 3،24 دقيقة، وأصبحت السلوكيات على قناة ديزني هي المقياس الذي يتم على أساسه التصرف.
الاستهزاء ليس فقط من قبل الأبناء، بل الزوجات أنفسهن، أشارت دراسة لإريكا شارير (Erica Scharrer, 2001) من جامعة “ماساتشوسيتس أميرست” Massachusetts Amherst، بأنه ازدادت نسبة إلقاء الأم دعابة عن الأب من عام 1950 وحتى عام 1990 من 1.8 مرة بالحلقة إلى 4.29 مرة بالحلقة. وأشارت بأنه من يلقي الدعابة هو من يمتلك السلطة والقيمة الأكبر أكثر ممَّن يُستهزأ به.
فإذا كان الأب يمثّل السلطة، والحدود التي يجب على الطفل وضعها لنفسه، ويتم تصويره بأنه رجل غير مسؤول وسخيف، فكيف سيتماهى الأطفال مع هذه الصورة النمطية للأب؟ وهل سينتقل هذا التصرف إلى البيوت عبر التقليد؟
بناء شخصية الطفل السويّ مرتبط إذن ارتباطاً مباشراً بالعلاقة المدروسة بين الأبوين وبإيلاء الآباء إهتماماً أكبر بأولادهم، عبر تخصيصهم بالمزيد من الوقت والتوجيه، فلا يستخفن أبٌ بدوره في تنمية شخصية أولاده.
*من أعضاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المصادر:
- مقالة تحت عنوان: Lucky Age 7: Why and How Kids Change – نُشرت بتاريخ 14 أيار 2014 على موقع: education.com، رابط المقالة:
https://www.education.com/magazine/article/Lucky_7_How/
- مقالة على تحت عنوان: Fathers Play an Important Role in Child Development – على موقع kidcentraltn.com، رابط المقالة:
- كتاب ايفون داللير “Homme et fier de l’être” (2001)
- مقالة تحت عنوان: Millennial fathers are rejecting the ‘bad dad’ stereotypes – نُشرت بتاريخ 3 كانون الثاني 2018 على موقع: weforum.org، رابط المقالة: