ش.أ. محمد أسد صفصوف*
العدد السابع والأربعون خريف 2018 – 47
خلال العصور الوسطى وبينما كان الإسلام يشهد تألّق الحضارة وانوار العلم، كانت أوروبا تتخبط بالظلم والظلام، وكانت المرأة موضع بحث ودراسة وجدل عقيم ما إذا كانت مخلوقاً بشرياً أم لا! وكان المجتمع الأوروبي يمارس فيه ازدراءه وتحقيره للمرأة، وذلك بطبيعة الحال بما ورثه من الفلسفة اليونانية وما حفظه من العادات والتقاليد والقيّم السائدة آنذاك والتي أكدّت دونيّة المرأة عندهم.
عيّنة صغيرة عن أكبر فلاسفة اليونان اللذين رسخّا في الفكر الغربي عموماً بأن المرأة كائن دونيّ… أحدهما أفلاطون (427-347 ق.م) النبراس والمثال الأعلى الذي يحتذى به في علم الفلسفة وعالم مدارك الفكر والمعرفة، وهو للأسف أحد ركائز ودعامات هذا الفكر الغربي حيث كان له اليد الطولى في الاعتقاد بأن المرأة كائن الدنس والهوان! فقد ذهب هذا الفيلسوف إلى القول “بأن جنس الأنثى خلق من أنفس الرجال الشريرة، من أنفس غير العقلاء”(1).
أما أقصى ما وصل إليه أرسطو بعده (384-322 ق.م) فهو اعترافه بأن المرأة “تعرف بوظيفتها الإنجابية وواجباتها داخل المنزل”(2).
ولن نسترسل في بحثنا هذا ونتطرق إلى النظريات الفلسفية المدهشة التي يتشرّبها أولادنا في مسار منهاجهم الأكاديمي، ففي أخر المطاف يبقى على عاتق الأهل تلقيح أولادهم بجرعات تحمي جهاز مناعتهم الفكرية وأن يعلّموا أولادهم أن يكونوا كالنحلة ليأخذوا الخير من كل وردة ولو كان البستان أجنبياً آخذين بعين الإعتبار أنه لولا هذا الدين الحنيف لبقيت المرأة في هذه الدونية كما سيتم بيانه.
وتمضي السنوات والقرون والعالم يظن بالمرأة ظن السوء، بينما كان قد مضى على ظهور النبي العربي، عشرة قرون، يحمل كلام الله تعالى: (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت)(3) . ويقول عليه الصلاة والسلام للناس: “استوصوا بالنساء خيرا” (4)، ويوصي أبا البنات فيقول:” من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته ، كن له حجاب من النار يوم القيامة” (5).
وفي الوقت التي كانت فيه الديانة اليهودية تحرّم الاختلاط بأي إمراة أثناء حيضها! قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أنس، رضي الله عنهم، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إصنعوا كل شىء إلا النكاح”. فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه!!!
في هذا الوقت التي أظلمت فيه العصور وظلمت المرأة مظلومية عامة شملت الأم والشقيقة والزوجة والإبنة…، جاء هذا الدين الحنيف ليكرّمها.
فقد رحم الإسلام المرأة أيما رحمة، أسقط عنها النفقة فلا تُنفق على ولدها ولا والديها ولا زوجها بل لا تنفق على نفسها هي، ويلزم زوجها بالنفقة عليها، كما أوجب لها مهراً كاملاً يدفعه الزوج لمجرد الخلوة بها، أو نصفه بمجرد العقد عليها ورأف بها فورّثها من زوجها حتى لو مات بمجرد عقده عليها.
رحمها الإسلام فأسقط عنها فريضة الجهاد، وأسقط عنها فريضة الحج إذا لم يكن معها محرم يحرسها ويخدمها حتى ترجع، وما تقدّم إلا غيض من فيض لجهة تكريم المرأة في الإسلام.
جاء الإسلام وكرّم المرأة وأخرجها من الدونيّة والمظلومية، ومع أن المرأة لا تزال تستغل في الغرب والشرق وتعامل كالرقيق، وتلفظ كالسلعة ما أن يقضوا منها وطرهم وما أن يذبل جمالها، وبالرغم من ذلك ويا للأسف لا نزال نسمع أبواقاً من كل ناحية وصوّب، زوراً وبهتاناً، أن المرأة مهضومة الحقوق في الإسلام ولا يزالون يرددون آية واحدة بصوت واحد وبهدف واحد وبنيّة واحدة { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } (6)وهو كلام حق من عند الله الحق إنما اجتزاء هذة الآية ووضعها في غير سياقها وموضعها الطبيعي لتوجيه السهام إلى هذا الدين الحنيف إنما هو باطل ومردود وسنستعرض بالنسب المئوية عدالة المرأة في الشريعة اﻹسلامية.
لو تفحصنا المواضع التي ترث فيها المرأة لوجدنا ما يلي:
وفقاً لعلم الفرائض (المواريث)، نجد أن المرأة ترث في ثلاث وأربعين حالة، فتعالوا لنرى كيف ترث المرأة في تلك الحالات، وهل لو ساوينا بين الرجل والمرأة في الميراث في كل الحالات نكون بذلك قد أنصفنا المرأة أم بخسناها حقها!
المتعمق فعلاً، بعلم المواريث يدرك تماماً بأن قاعدة أن (للذكر مثل حظ الأنثيين)، ليست قاعدة مطلقة في الميراث، بل هي محصورة في أربع حالات فقط من ضمن ثلاث وأربعين حالة ترث فيها المرأة، والحالات الأربع هي:
1 – وجود البنت مع الإبن وإن تعددوا.
2- وجود الأخ والأخت الشقيقة وإن تعددوا.
3- وجود الأخت للأب مع الأخ للأب،
4- وجود بنت الأبن مع ابن الإبن وإن تعددوا.
أما في بقية الحالات الثلاثين الأخرى نجد أن المرأة مميزة عن الرجل بشكل واضح وبفارق كبير. ففي عشر حالات ترث المرأة مثل الرّجل، وفي عشر حالات أخرى ترث المرأة فيها أكثر من الرجل، وعشر حالات تحجب المرأة فيها الرّجل وتأخذ الإرث كاملاً ولا ينال الرجل من الإرث شيئًا.
بعملية حسابية بسيطة نجد أن المرأة قد تفوقت على الرجل في حقها في المواريث، فإذا قسمنا (30) وهي عدد الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو مثله أو بمفردها، على عدد (34) حالة ترث فيها المرأة نحصل على النسبة المئوية 88.23% تتفوق فيها المرأة على الرجل في الميراث . ويبقى أن نقول لمن يدعي تحرير المرأة المسلمة أرونا كيف تعاملون المرأة عندكم كسلعة ثم تهملوها بعد أن تقضوا منها إربكم، وها هي الحقائق الدامغة القطعية وبالأرقام تثبت كيف يحفظ الإسلام المرأة وحقوقها مهما طال بها العمر وجارت عليها الأيام.
*الشيخ المحامي محمد أسد صفصوف، عضو في منتدى الإعجاز العلمي في القرأن والسنة – لبنان
(1)سوزان موللر أوكين، النساء في الفكر السياسي الغربي ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، الطبعة الأولى 2009 ص 27.
(2) المرجع السابق، ص 115.
(3) سورة التكوير : الآيتان8،9 .
(4) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة.
(5) أخرجه إبن ماجه في سننه.
(6) سورة النساء، الآية 11.