الوقاية والشفاء من مرض السَّرطان بالصّيام

بقلم الأستاذ وسيم مصري*

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019 – 48

ليس من شيء شرعه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، أو في السُّنة النبوية إلا وكان القصد منه الرحمة وصالح الإنسان. يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)}[يونس: 57-58].
نتناول في هذا المقال الصيام، وقدرته الشفائية لمرض السرطان. وذلك من خلال عرض طبيعة هذا المرض، أسس العلاج، والآليَّة الشفائية للصيام بالنسبة لهذا المرض بشكل خاص.
الصيام ركن من أركان الإسلام، ولم يكن الله سبحانه وتعالى ليأمر به، مع ما يتضمنه من كبت لشهوة الأكل والشرب وغيرها، إلا لوجود فوائد صحية ونفسية. يقول تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا كُتِب عَلَيْكمُ الصيَامُ كَمَا كُتِب عَلى الّذِينَ مِن قَبْلِكمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ (183) أَيّاماً مّعْدُودَتٍ فَمَن كانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلى سفَرٍ فَعِدّةٌ مِّنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَ عَلى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطوّعَ خَيراً فَهُوَ خَيرٌ لّهُ وَ أَن تَصومُوا خَيرٌ لّكمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}[البقرة 183-184] فالإشارة إلى البركة والخير الموجودين في الصيام واضحة في نص هاتين الآيتين.

قبل أن أتطرق إلى فوائد الصيام بالنسبة لمرض السرطان، تعالوا لنتعرف على هذا المرض:
ما هو السرطان؟
السرطان نمو متزايد للخلايا دون انضباط بنظام الأنسجة الأساس من حيث عمر الخلية، أو إتجاه نمو النسيج، ففي الأحوال العادية الصحيحة ينمو كل عضو بمقدار معين، وتنمو أنسجته وخلاياه في إتجاه معين وفق نظام دقيق بحيث لا يتجاوز النسيج أكثر مما هو محدد له، وفق المنظومة النسيجية المتناسقة في جسم الإنسان، فإذا حدث خلل ما في هذا النظام الدقيق لأسباب متعددة فقد تنمو بعض الأنسجة دون مراعاة قوانين النمو فتصير سرطانية بمعنى أنها تنمو في أي إتجاه غير محترمة لقواعد النمو، ولا تبالي بالأنسجة المجاورة، ولاتتوقف عند حد معين، ولا تراع ما سيقابلها في طريقها أثناء نموها من عصب ستجتاحه في طريقها، فتسبب الشلل، أو شرياناً أو وريداً دموياً تقرضه في طريقها، فيحدث النزيف الدموي، أو غدة تربك نظام إفرازاتها بالزيادة، أو النقص، أو العدم الكلي، أو عظام تحدث فيها الهشاشة، بل والكسور، أو عضو آخر من أعضاء الجسم زاحمه الورم، وربما تضخم الورم، وضغط على أنسجة، أو أعضاء أخرى فأعاق وظيفتها أو عطلها تماما.
يرتبط نمو الخلايا في الجسم وفق القواعد الدقيقة، والمحكمة التي أودعها الله تعالى في المادة الوراثية (الـ DNA) الموجودة في نواة كل خلية من خلايا الجسم، ولكن قد يحدث خلل في أجزاء من هذه المواد الوراثية لأسباب مختلفة كالإشعاع والسموم البيئية. ما يترتب على ذلك الخلل أن انقسام وعمل الخلايا قد يختلّ، وهذا ما يعرض المريض للإصابة بالسرطان.
يجدر الذكر هنا أن الله سبحانه تعالى زود الخلايا العضوية في الجسم بآليات خاصة، تمكنها من إكتشاف وتصليح تلك الأخطاء الممكنة الحدوث في المادة الوراثية، بشكل يمنع تفاقم المرض. فتلك الأخطاء، أوالتشويشات في المادة الوراثية تحدث يوميا، وعند كل الناس ولأسباب مختلفة (عمليات إنتاج الطاقة، السموم في الغذاء، الإشعاع وغيرها…) ولكن من آثار رحمة الله، وبإيداعه لوسائل التصليح يصرف عن أكثرنا هذا المرض.

كيف يمكن للصيام المساعدة في الشفاء من مرض السرطان (وحتى تجنبه أصلاً):
الآلية الأولى: في إنقسام الخلايا(…) وجد العلماء على مدى الـ 70 سنة الماضية، وبشكل واضح، بأن تقليل الإمداد بالسعرات الحرارية (الطعام) للجسم يبطئ عملية تكاثر (إنقسام) الخلايا. هذا يعني أن في حالة حدوث أي خلل بالمادة الوراثية، وفور تكون خلايا غير حميدة (سرطانيّة) فإن الجسم لديه مدة زمنية أطول لتصليح الخلل قبل أن يتفاقم الوضع، وتتكون خلايا سرطانيّة أخرى.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الدراسة التي قام بها بعض العلماء عام 2005 في جامعة كاليفورنيا مع الفئران، حيث قام العلماء بدراسة مجموعتين من الفئران (أ) مَن حُدّد مقدار ما تأكل خلال اليوم (نسبة 5% أقل من المعتاد)، و(ب) من سُمح لها أن تأكل كما تشاء، دون أي تحديد. ما وجده العلماء هو أن مقدار وسرعة إنقسام الخلايا للمجموعة الأولى كانت أقل من تلك للمجموعة الثانية. يقول البروفيسور مارك هيليرستاين إن إنقسام الخلايا هو عامل أساس في تطور وإنتشار مرض السرطان. فكبت عملية الإنقسام (من خلال الصيام مثلاً) يعطي المجال والوقت اللازمين لآليات الجسم للتخلص من الخلايا السرطانية قبل تفاقم المرض. وجدير بالذكر أن الخلايا السرطانية، وبسبب الخلل في مادتها الوراثية تحتاج لكميات كبيرة من السعرات الحرارية، وهكذا فالصيام يبطئ نموها بشكل كبير. ويضيف البروفيسور مارك هيليرستاين إن تقليل إستهلاك السعرات الحرارية هو العامل الأساس المثبت علمياً الذي بمقدوره أن يطيل العمر، وهذه هي الآلية الأولى.
الآلية الثانية: تتعلق بالعلاج الكيماوي، فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الصوم يساعد على إستهداف الخلايا السرطانية من قبل المواد الكيميائية بشكل خاص دون المس بالخلايا الحميدة (السليمة). فالعلاج الكيماوي عادة يقوم ياستهداف الخلايا السرطانية والحميدة بدون تمييز، ولكن الصيام بما يتضمنه من تقوية وتعزيز لخلايا الجسم يعطي الخلايا السليمة قدرة أكبر على التصدي للمواد الكيماوية، ولكن الخلايا السرطانية (وللخلل الموجود بها) فالصيام يضعفها بشكل خاص أمام العلاج الكيماوي. (…).
الآلية الثالثة: فحرمان الجسم من الطعام لساعات متواصلة ( كالصيام) يجبر الجسم على الإعتماد على مخازن الطاقة الموجودة به. هذا يؤدي إلى إطلاق السموم المكبوتة من هذه المخازن (التي لم تستعمل لأيام ، لأشهر أو لـ 11 شهراً، أي من رمضان إلى رمضان )، وهذه السموم تعمل كعلاج كيماوي طبيعي، فهي تجري في الدم، وتهاجم الخلايا السرطانية بشكل خاص. قد يتساءل البعض: ولكن من أين تأتي هذه السموم أصلاً؟ الجواب هو أنها تأتي من البيئة، الهواء الملوث، والطعام المصنع (آفات المجتمع العصري).
ويقوم الصيام أيضاً بتقوية جهاز المناعة في الجسم، حيث تزداد قدرته للتعرّف على الخلايا السرطانية وإبادتها.
الآلية الرابعة: يستخدم الجسم كمية طاقة كبيرة لعمليات هضم الطعام، وهكذا يمكن للجسم إستخدام هذه الطاقة بشكل آخر عند الصيام. فتستغل هذه الطاقة عند الصيام لتنظيف الجسم من الخلايا الميتة، الخلايا السرطانية والسموم.
هذا إقتباس مما تقوله سامي هوفارد عن تجربتها مع الصيام لعلاج سرطان المبيض، الذي أصابها في منتصف الثلاثينيات من عمرها: “خلال العشرة أيام الأولى للصيام بدأت ألاحظ التغيرات؛ جلد أصفى، الخطوط بالوجه بدأت بالتلاشي، أحسست بنفسيّة قوية ومنتعشة، طاقة عالية، وأحسست بالإيجابية والحماس للحياة بشكل عام. بدأت أتابع الجوانب الروحانية للموقع …”
-سامي هوفارد تشافت تماماً من السرطان، بفضل من الله سبحانه وتعالى: وبإتباع الصيام.
_______________________________
* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.eajaz.org