حزنت وتألمت جداً عندما علمت أن كثيراً من شهداء غزة لم يستطع أهلهم انتشالهم من تحت الأنقاض، أو تعذّر دفنهم من شدّة القصف وكثرة الدمار، فدخلت الكلاب الضالّة لتنهش في أجسادهم وتأكل من جثثهم، ثم تذكرت الحديث الصحيح الذي قال فيه الرسول ﷺ عن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب قال:
“لَولا أن تجدَ صفيَّةُ (وهي أخت حمزة) في نفسِها لترَكتُه حتَّى تأكلَه الطيور والسباع (يعني الغربان والكلاب الضالّة) حتَّى يحشرَ يومَ القيامةِ من بطونِها”. فسألت نفسي لماذا يتمنى نبينا محمد ﷺ هذه الميتة لواحد من أحب الناس إلى قلبه، عمّه، وأخيه في الرضاعة وصاحبه، وحامي دعوته في مكّة؟ يتمنى أن تأكل جثته السباع والطيور وقد حزن عليه كثيرا وبكى، حتى قال لأهل أول مولود ولد بعد استشهاد حمزة: “سمّوه بأحب الأسماء إلى قلبي، سمّوه حمزة”.
فلماذا يتمنّى سيدنا محمّد ﷺ أن تأكل الكلاب الضالّة جثّة عمه حمزة سيد الشهداء؟ قلت لنفسي لا بد أن ذلك سيكون أعظم أجراً وثواباً وشرفاً من الدفن العادي، ثم بحثت في شروح الحديث فوجدت هذا التفسير الذي أثلج صدري: “لِيَكونَ لِحَمزةَ رَضِي اللهُ عَنه الأجرُ كامِلًا، وتامًّا، ويكونَ جسَدُه كلُّه في سبيلِ اللهِ تعالَى”. ولقد اختار الله لشهداء غزة ما تمنّاه رسول الله ﷺ لسيد الشهداء، إذاً لا بد أن يكون هؤلاء شهداء أهل غزة هم سادة الشهداء، ثم تذكرت الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ: “قال عليه الصلاة والسلام سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله”، وهؤلاء القوم لم يقوموا لسلطان جائر واحد، بل قاموا إلى سلاطين جائرين كُثُر، بل قاموا إلى نظام عالمي كامل قد بلغ بالناس منتهى الجور والفساد، فاطمأن قلبي أن هؤلاء أحق الناس بوصف “سادة الشهداء”، أرجو من الله أن يوصل هذه الرسالة لأهالي “سادة الشهداء” شهداء غزة الذين لم يتمكن أهلهم من دفنهم وألقوا على قارعة الطريق تأكلهم الجوارح لِتُهَوّن عليهم وتخفف عنهم وتصبّرهم على هذا البلاء العظيم نحتسبهم كذلك ولا نزكّيهم على الله.
بريد القراء – العدد 57 من مجلة منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، لتحميل المجلة الضغط هنا.