اكتشاف جديد
ترجمة وإعداد أ. دانة عبده جرادي
مقدمة- صدمة الاكتشاف الجديد: يتضمن هذا المقال حقيقتين، الأولى أنه كان من المعتقد منذ قرونٍ عديدة، أنَّ كريستوفر كولومبس هو أوّل العابرين للمحيط الأطلسي وصولاً إلى العالم الجديد. ولكن وجدت مجموعة باحثين من جامعة رود ايلاند (Rhode Island) أنَّ المسلمين هم أوَّل العابرين والمستقرين على شواطئ أمريكا، ويعتبر هذا البحث مغَيِّراً للتاريخ الذي نعرفه.
وقد صرَّحَ البروفيسور ايفان يوريسكو (Evan Yuriesci)، المسؤول عن فريق البحث، أنَّ هذا الاكتشاف كان صادماً لجميع أفراد فريق البحث.
قبور جماعية لبحارة قبل كولومبوس بخمسة قرون:
قال البروفيسور يوريسكو: “كنا نتوقع إيجاد آثار للأمريكان الأصليين في عصور ما قبل التاريخ، لأنَّ هذا ما كنا نجده في تلك المنطقة خلال العقود الماضية. لم نكن نتوقع إيجاد أواني فخّارية تعود للقرن التاسع، والتي احتوت على مخطوطات قديمة مكتوبة باللغة العربية”.
كما وجد الباحثون آثاراً لقبورٍ جماعيّة لبحّارة ذلك القرن، ولكن كانت العظام في حالة متقدّمة من التحلّل، ما جعل من المستحيل الحصول على عينة من الحمض النووي (DNA).
من جهة أخرى، أظهرت أسنان البحّارة تسوّس سابق لأوانه، ما قد يظهر أنَّ سبب الوفاة هو الحمية الغذائية الفقيرة بالإضافة لمرض غير معروف.
كما وجد الباحثون العديد من الأقمشة والعملات النقديّة. وللأسف لم يستطع فريق البحث التعرّف على باقي القطع الأثرية، وذلك بسبب الصّدأ الذي محا أي أثر للكتابات الموجودة على السيوف والعملات النقديّة.
المخطوطة القرآنية
وجد الباحثون آنيتين فخّاريتين بحالة جيّدة، احتوت الأولى على مخطوطة والأخرى على بهارات مجهولة المصدر، والتي من الممكن أن تساعد فريق البحث على معرفة أصول أولئك البحارين.
حدّد المختص بالعصور الوسطى كريم ابن فلاح (Karim Ibn Fallah) من جامعة ماستشوستس (Massachussets) عمر المخطوطة مستنداً إلى الخط الكوفي، فقال كريم أن هذه المخطوطة تعود إلى القرن التاسع.
وأضاف: “الخط الكوفي هو أقدم الخطوط العربية، يتضمّن هذا الخط نسخة معدّلة من الخطّ النبطيّ القديم. وكان أول ظهور للخط الكوفي في نهاية القرن السابع في مدينة الكوفة في العراق، ومن المذهل إيجاد هذا الخط في أمريكا”.
ويؤكد عالم المتاحف بايرون كنت (Byron Kent) أنّ هذا الاكتشاف مقلق، يقول كنت: “لا شك أن الخرائط العربية كانت من الأفضل في العالم، ولكن لم تُظهر خرائطهم القديمة معرفتهم بأمريكا. كان العرب آنذاك ذوي خبرة تكنولوجية كافية لإيصالهم إلى أمريكا، ولكن لم يكن في السابق أي دليل مُعتمد يُثبت نجاحهم في الوصول، إلى الآن”.
يقول العلماء أنَّ كولومبس بذاته يدين لمهارات المسلمين في الملاحة البحرية، حيث أن تلك الخبرات التكنولوجية كانت تمكنهم من الوصول إلى العالم الجديد (مصدر هنا).
كريستوف كولومبوس إلى مزبلة التاريخ
أما الحقيقة الثانية فهي أن شعوب الغرب اكتشفت أن كولومبوس لم يكن سوى قرصاناً سيء السمعة قام بأعمال اضطهاد واغتصاب وإبادات جماعية لأعداد من السكان الأصليين، وانطلقت في الولايات المتحدة والمكسيك حملات لتحطيم تماثيل كولومبوس أو إزالتها من الحدائق والساحات العامة في المدن الكبرى بدأت في 24/11/2018، حيث أزيل تمثال كريستوفر كولومبوس في مدينة لوس أنجلوس باعتباره نقطة سوداء في تاريخ القارة الأمريكية، وقال متظاهرون إن كريستوفر كولومبس مجرم حرب وبمثابة قرصان قاد حملة احتلال غاصبة كما ارتكب جرائم كبرى في حق شعوب أمريكا الأصليين الهنود الحمر وليس كما صوره لنا الإعلام وما درسناه من حقائق وقصص زائفة في المناهج التعليمية…
ثم كرّت السبحة في أوائل شهر حزيران من عام 2020، حين أسقط متظاهرون تمثالاً لكريستوفر كولومبوس في مدينة ريتشموند بولاية فرجينيا الأمريكية. وحطم التمثال، الذي كان يستقر في حديقة بايرد بارك، محتجون ضد العنصرية على هامش المظاهرات المتواصلة منذ وفاة الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس. وأظهرت لقطات مصورة قيام عدد من الأشخاص بالإطاحة بالتمثال، ثم إشعال النار فيه قبل أن يتم رميه في بحيرة بالحديقة الكائنة في وسط مدينة ريتشموند. وبنفس التاريخ أزيل تمثال آخر لكولومبوس في مدينة سانت بول بولاية مينيسوتا الأميركية.
وتحت عنوان “كاليفورنيا تتخلص من تماثيل كريستوفر كولومبوس” خرجت مواقع التواصل في 19 حزيران وذلك في أعقاب تجمع تخللته خطابات لسكان البلاد الأصليين من قوميتي “اتفونغا” و”تاتافيام”، أزيل تمثال برونزي للمستكشف كريستوف كولومبوس من وسط حديقة في لوس أنجلوس؛ وكان التمثال أهداه اتحاد نقابات جنوب كاليفورنيا إلى إدارة الإقليم سنة 1973 (مصدر هنا).
وفي تعليقها، اعتبرت العضوة في هيئة مراقبي اقليم لوس أنجلوس هيلدا سوليس، إن التمثال “يعيد كتابة فصل مشوه من التاريخ الذي يمجد توسع الامبراطوريات الأوروبية، واستغلال البشر والثروات الطبيعية”.
وبدوره، أكد عضو مجلس المدينة ميتش أوفارال، أنّ الخطوة المقبلة تتمثل في إزالة الرواية الخاطئة التي تدعي أن كريستوف كولومبوس اكتشف أميركا، مبيناً أن “كولومبوس نفسه كان مسؤولا عن ارتكاب فظاعات، وأن اعماله تصنف في خانة كبرى عمليات الإبادة المسجلة عبر التاريخ، وأنه لا ينبغي أن يحتفل بهذه الشخصية مستقبلاً”.
وسحبت بلدية سان فرانسيسكو في كاليفورنيا تمثالا لكريستوفر كولومبوس فيما تنوي الولاية الواقعة في غرب الولايات المتحدة إزالة تمثال البحار الإيطالي من البرلمان المحلي.
وأزيل تمثال المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس المثير للجدل في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية بعد أن أعرب المحتجون عن مخاوفهم من أنه يرمز للقمع.
وفي الثاني من تموز العام ذاته أزيل تمثال كريستوف كولومبوس من ولاية أوهايو استجابة للاحتجاجات على عدم المساواة (مصدر هنا).
وأزيل تمثال آخر لكولومبوس في ولاية فيرجينا وتمثال آخر لكولومبوس في مدينة بوسطن، ولاية ماساتشوستس. وفي 5/7/2020 حطم متظاهرون تمثالاً آخر للمكتشف المزعوم في مدينة بالتيمور الواقعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وفي 25/7/2020 أزيل تمثالان لكولومبوس في مدينة شيكاغو الأميركية. وتمت إزالة العديد من تماثيل كريستوفر كولومبوس أو تخريبها، لا سيما في بوسطن وميامي وفرجينيا وكامدن في نيوجيرسي.
ولم يسلم من أعمال الإزالة هذه حتى تمثال الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو، بطل فيلم “1492 كريستوف كولومبوس”. بعد أن كان التمثال منصوباً في متحف غريفان في باريس الثلاثاء 2023/12/19.
وقد تقرر سحب التمثال بعد تسجيل ردود أفعال سلبية لعدد من الزوار خلال مرورهم أمام تمثال دوبارديو.
في خلاصة الأمر، أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فينتقصون من الوقائع أو يزيدون، لكن لا بد للحقيقة أن تعود فترتفع خفاقةً ناصعة.