أ. جهاد ترباني*
زرعوا في عقولنا من قبل أن قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية كانتا مجهولتين حتى عام 1492 م، عندما اكتشفها بحار إيطالي يدعى “كريستوفر كولومبوس”، وأن هذا البحار الذي كان يعمل لصالح ملكي إسبانيا فرناندو وإيزابيلا، قد وجد أناساً يعيشون في تلك الأرض، فظن أنهم من الهنود، فأسماهم الهنود الحمر للونهم الأسمر المشوب بالحمرة.
ثم جاء بحار إيطالي آخر يدعى “أميركو فاسبوتشي” ليكتشف ان تلك الأرض ليست الهند بل قارة جديدة ومن اسمه جاءت تسميتها “اميركا”، ولأن الهنود الحمر لم يكونوا متحضرين، كما جاء في ادعاءات المستعمرين الجدد، ولأنهم كانوا من آكلي لحوم البشر، كما تصورهم السينما الأميركية دائماً، فقد تطوع الأوروبيون البيض “بنشر الحضارة والثقافة في أوساط الهنود الحمر” ولكن الغريب أن عشرات ملايين الهنود الحمر قد قتلهم الأوروبيون البيض في تلك الفترة التي كان من المفروض ان تكون لنشر الحضارة والمدنية في أوساطهم!
انتهت الرواية الغربية وفيها للأسف مغالطات كثيرة.
الحقيقة أن هذه الرواية لا تعدو كونها مجرد هراء، أراد الأوروبيون من خلالها تبرير إبادتهم للشعب الهندي الأحمر، والمحزن في الأمر أننا تقبلنا هذه الرواية وكأنها حقيقة تاريخية، ولكن هذا التسليم الساذج قد فات وولّى، فلقد آن الأوان لشباب هذه الأمة ان ينتفضوا في وجه غزاة التاريخ، وأن يعيدوا كتابة التاريخ لا أقول من منظور إسلامي، بل من منظور إنساني شامل، بعيداً عن التزييف والتحيّز لأي طرف، فالسر الخطير الذي ظل طي الكتمان في أرشيفات إسبانيا والبرتغال لمئات السنين، هو أن الهنود الحمر كانوا شعوبًا إسلامية، عندما وطئت أقدام كريستوف كولومبوس ورجاله القارة الأميركية لأول مرة، وقبل أن يظن القارئ أن هذا الكلام ما هو إلا خيال كاتب يؤمن بنظرية المؤامرة، ينبغي علينا أن نستعرض الحقائق التاريخية التي توصلتُ إليها من خلال دراستي لهذا الموضوع الخطير. فلنستعرض سوياً تاريخ الإسلام في أميركا، وأترك المجال للقارئ الكريم بعد ذلك كي يحكم بنفسه.
القرن الرابع الهجري: أول رحلة إسلامية موثقة قبل كولومبوس بستمائة سنة
ذكر المؤرخ المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” المكتوب عام 956م أن أحد المغامرين من قرطبة واسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، ورجع سنة 889م، وقال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسًا في الأرض التي وصلها، ولذلك لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا سماها: الأرض المجهولة بينما يسميها الإدريسي بالأرض الكبيرة أي إنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضًا وراء بحر الظلمات (وردت سيرة هؤلاء المغامرين وهم أبناء عمومة في كتابات المؤرخ الجغرافي كراتشكوفسكي وتم توثيقها عام 1952م في جامعة وايتووتر البرازيلية).
مدن شمالي البرازيل بأسماءعربية قبل كولومبوس بخمسمائة سنة
القرن الخامس الهجري: الشيخ البربري ياسين الجزولي قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق شمال البرازيل مع جماعات من أتباعه، ونشر فيها الإسلام وأسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية ولا تزال هناك مدنا تحمل أسماء مدن إسلامية مثل (تلمسان) و(مراكش) و(فاس) إلى يوم الناس هذا.
هنود حمر يتكلمون اللغة العربية قبل كولومبوس بأربعمائة سنة
القرن السادس الهجري: الشريف الإدريسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099 – 1180م، ذكر في كتابه “الممالك والمسالك” قصة الشباب المغامرين وهم: جماعة خرجوا ببواخر من إشبونة “Lisbon” (عاصمة البرتغال الآن) وكانت في يد المسلمين وقتها، وقطع هؤلاء المغامرون بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض وصفوها ووصفوا ملوكها. والغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا هناك أناسا يتكلمون بالعربية.
كولومبوس يكتب: لباس الهنود الحمر يشبه لباس مسلمي غرناطة وأول معاهدة معهم وقعها رجل منهم يدعى محمد ووجد في كوبا مسجداً
- – (عام 1493م) كريستوفر كولومبوس نفسه يكتب في مذكراته “إن الهنود الحمر يلبسون لباسًا قطنيًا شبيهًا باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات” وذكر أنه وجد في كوبا مسجدًا، والجدير بالذكر أن أول وثيقة هدنة بين كرستوفر والهنود الحمر كانت موقعة من طرف رجل مسلم (الوثيقة موجودة في متحف تاريخ أمريكا بتوقيع بحروف عربية من رجل من الهنود الحمر اسمه محمد).
– (عام 1564م) رسم الأوروبيون خريطة لفلوريدا في أمريكا تظهر فيها مدن تماثل أسماؤها أسماء مدن أندلسية ومغربية، مثل (مراكش) و(ميورقة) و(قادس)، ولكي تكون أسماء عربية هناك، فبالضروري كانت هجرة عربية قبل مائة أو مائتي عام من ذلك التاريخ على الأقل.
– (عام 1929م) اكتشف الأتراك خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري رئيس، الذي كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919هـ/ أي: حوالي: 1510 – 1515م، (الخريطة معروضة في هذا الكتاب في صفحة 281) الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطئ أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطئ فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام 1540 – 1560م.
– (عام 1920م) كتب البروفيسور ليون فيرنيل الذي كان أستاذاً في جامعة هارفرد، كتاباً أسماه:
” أفريقيا واكتشاف أمريكا”، “Africa and the discovery of America”
يقول فيه: “إن كريستوفر كولومبس كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا”.
كان الشعب الكاريبي قبل كولومبوس موحداً مسالماً مسلماً ويتكلمون العربية
– (عام 1946م) “مييراموس” في مقال في جريدة اسمها: “ديلي كلاريون”، ” Daily Clarion” : عندما اكتشف كريستوف كولومبس الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسًا من البشر أبيض اللون، خشن الشعر، اسمهم: “الكاريب”، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر، وكانوا شعبًا موحدًا ومسالمًا، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام، ولغتهم: العربية!
– (عام 2000م) لويزا إيزابيل أل فيريس دو توليدو، “Luiya Isabel al ferris Do Tolido”، وهي دوقة مدينة سيدونسا” Cedonia “، اكتشفت وهي ترمم قصرها في مدينة باراميدا “San Luca De paramida”، وثائقًا إسلامية مكتوبة بالعربية ترجع إلى العهد الأندلسي، في هذه الوثائق وصف كامل لأمريكا والمسلمين فيها قبل كريستوفر كولومبس، خبأها أجدادها الذين كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية. وقد خافت أن يحرقها الإسبان بعد موتها، فقامت بوضعها في كتاب قبل أن تموت سنة 2008م، وهذا الكتاب اسمه “Africa versus America”. وفيه تفاصيل الوجود الإسلامي في أمريكا.
بهذا يتضح أن المسلمين كانوا قد هاجروا إلى أمريكا قبل مئات السنين من دخول كولومبوس لها، ولكنهم لم يهاجروا ليسرقوا الذهب ولا ليبيدوا السكان الأصليين، بل ذهبوا حاملين رسالة العدل والسلام، رسالة لا إله إلا الله، محمد رسول الله. ولكن التاريخ يكتبه المنتصرون وكما يحبون.
*مقال مقتبس عن كتاب: “مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ” ص 283-290، للكاتب والشاعر والباحث الفلسطيني جهاد ترباني.