الإعجاز العلمي في خلق آدم على صورته الحالية

د. صالح أحمد رضا*

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019 – 48

من القضايا الهامة التي شغلت فكر الإنسان منذ عصور متطاولة عبر التاريخ بداية الخليقة.
كيف بدأ الخلق… ومتى بدأ… وبأي شيء بدأ…؟ أسئلة دارت في ذهن الإنسان وما زالت… فكل أخذ يحاول جهده الإجابة عليها بفكره ورأيه.

خلق الله تعالى آدم على صورة لم تتغير
لقد اختلف العلماء في كيفية خلق هذا العالم، ومنه خلق الإنسان، فذهبوا مذاهب شتى، وفرضوا فرائض مختلفة، ومما لا شك فيه أن الإنسان بعلمه التجريبي لا يستطيع أن يصل إلى نتيجة حتمية نهائية في هذا الموضوع، وذلك لأن الباحثين لا يستطيعون أن يدخلوا الكون إلى المختبر ليجروا عليه تجارب ناجحة تبين لهم متى وكيف نشأ، وما هي التغيرات التي طرأت عليه عبر العصور والسنين الطويلة التي مرت به، ومر عليها، وكذا الإنسان، كما أن المعلومات التي يحصلون عليها من العظام، أو المتحجرات لا يستطيعون أن يجزموا بأن ما رأوه هو نهاية العلم، وخاتم المعرفة، فلعل حفريات جديدة، أو اكتشافات حادثة تعطيهم أمراً جديداً لم يكن يخطر على بال أحد منهم، {إن نظن إلا ظناً} [الأحقاف، 32].
ومن جملة هذه الفرضيات الواردة “نظرية دارون” عن خلق العالم، والتي جاء فيها أن الإنسان تطور عبر الزمن السحيق قبل ملايين السنين من خلية وجدت في الأرض في مستنقع آسن إلى حيوان وحيد الخلية… إلى كثير الخلايا… إلى أن صار قرداً… إلى أن قلب القرد إنساناً… وبهذا يتجه اتجاهاً معاكساً للدين تماماً الذي يجعل الإنسان منتسباً لآدم وحواء ابتداء.

فهي نظرية إلحادية جاءت لتقول للإنسان لا تؤمن بوجود إله خالق، فهي إنما وجدت لتأصيل عقيدة، ورسم معالم منهج لحياة مجموعة من البشر ملحدة لا تريد أن تصيخ لصوت العلم، ولا لصوت العقل، فرأت أنه لا بد لها من ربط علمي، وتسويغ منطقي لمعتقدها، وسلوكها في الحياة. وقد قال داروين: إن تفسير النشوء والارتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت.
فمجمل النظرية تقوم على أن الوجود قام بدون خالق، وتقوم النظرية على المبادئ التالية:
• جميع المخلوقات كانت بدايتها من خلية واحدة هي “الأميبيا”.
• إن هذه الخلية تكونت من الحساء العضوي نتيجة لتجمع مجموعة من جزيئات البروتين، وبينها بقية العناصر الأخرى حيث أدت عوامل بيئية ومناخية (حرارة امطار، رعد، صواعق) إلى تجميع هذه الجزئيات في خلية واحدة هي “الأميبيا”.
• إن جزيء البروتين تكوّن نتيجة مجموعة من الأحماض الأمينية. وترابطها بروابط أمينية، وكبريتية، وهيدروجينية مختلفة، إضافة إلى تأثير العوامل البيئية، والمناخية.
• إن الأحماض الأمينية تكونت- بدورها- نتيجة لاتحاد عناصر الكربون، والهيدروجين، والنتروجين، والأكسجين.
• إن الخلية الأولى أخذت تتطور، وتنقسم إلى مخلوقات ذات خليتين، ثم إلى متعددة الخلايا… وهكذا حتى ظهرت الحشرات، والحيوانات والطيور، والزواحف، والثدييات ومن ضمنها الإنسان، كما أن جزءاً من الخلية انقسم وتطور إلى أنواع من الخمائر والطحالب، والأعشاب، والنباتات الزهرية، واللازهرية.
• إن الإنسان يمثّل قمة التطور، الذي جاء من القرود التي تمثل قمة الحيوانات غير الناطقة.
• إن السلسلة البشرية تظهر تطوراً عقلياً وذهنياً، يزداد كلما ارتقى في سلم التطور البشري، ولذا كانت البشرية طبقات، والتأكيد على تفوق الجنس الأوروبي الأبيض.

وكانت نظرية داروين إيذاناً بميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، ونظرية برجسون في الروحية الحديثة، ونظرية سارتر في الوجودية، ونظرية ماركس في المادية الجدلية، وقد استفادت هذه النظريات جميعاً من الأساس الذي وضعه داروين، وارتكزت عليه في منطلقاتها، وتفسيراتها للإنسان، والحياة، والسلوك.
إن فكرة التطور أوحت بـ “حيوانية الإنسان”، وتفسير عملية التطور على التصور الدارويني أوحت “بماديته”.

ويأتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين لنا أن الله تعالى خلق آدم على صورته التي هي عليه، (أي صورته التي نراها اليوم)، دون أن يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خلق الله آدم على صورته”. (رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو عوانة وعبد الرزاق).
يعني أن الله تعالى خلق آدم على صورة آدم التي هو عليها، والتي هي عليه، والتي نلاحظها في بني آدم أينما مضينا في هذه الدنيا التي نعيش فيها.
فهذا الحديث الشريف يثبت أن آدم لم يتغير في شكله العام، وصورة وجهه منذ خلقه الله تعالى إلى يومنا هذا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

وفي مقال ظهر في “مجلة العلم” (ساينس دايجست) في عدد كانون الثاني يناير (1961م) بعنوان “هل يجب أن يحرق داروين”؟ يقول الكاتب: “ولعل من أبرز ما تمخض عنه المجال العلمي في فرنسا خلال العام المنصرم هو نبذ نظرية التطور، فبعد أن كانت هذه النظرية موضع نقد في الماضي أصبحت اليوم هدف حملة شديدة يبدو أنها فتحت الطريق في فرنسا على الأقل لنظرية جديدة بشأن أصل الأنواع، وإليكم بعض الاعتراضات المحرجة التي يدلي بها المعارضون الفرنسيون، “إذا كانت الزرافة ذات العنق الذي يزيد على مترين هي حصيلة الاصطفاء الطبيعي، وأنها أفضل مثال على تنازع البقاء، فماذا يقول أصحاب هذا الرأي بالخروف الذي لا يزيد طول عنقه على بضعة سنتيمترات؟ ثم أليس الزرافة والخروف أبناء عم، أو إخوان في عالم الحيوان؟ فهل باستطاعة أولاد عم يعيشون جنباً إلى جنب ويكون أحدهما أقدر على البقاء من الآخر لأن أحدهما طويل العنق، والآخر قصير؟” إلى آخر ما جاء في المقال نقلاً عن كتاب، “خلق لا تطور- تعريب إحسان حقي- ط.دار النفائس”.

جاء في مجلة المكتشفات (discovery) في عددها الصادر في مايو / أيار 1962 م مقالاً مفاده: لقد أثبت العلم الحديث بما لا يدع مجالاً للشك أن العناصر المعدنية ميالة للتجرد والاستقرار، وهي لسوء حظ الدارونية عاجزة كل العجز عن توليد حال من الاستقرار الكيميائي التي تتسم به الكائنات الحية، لذا صار مؤكداً استحالة تحول المواد الجامدة إلى أخرى بشكل عفوي، أو بمجرد صدفة بلهاء.
فإذا كان تحول العناصر الخاملة إلى مواد عضوية مركبة مستحيلاً، فأنى لها أن تشكل خلية مذهلة في تركيبها، ووظائفها، ومعجزة في بنيان وتصميم جدارها، ونواتها، وريبوزوماتها، والشبكات الاندوبلازمية، وأجهزة كولجي، وغيرها من العضيات الخلوية البالغة الدقة، والتي تعد بالآلاف في خلية لا يزيد قطرها عن بضعة ميكرونات!وإذا كان ظهور خلية واحدة من الجماد مستحيلاً، فكيف للجماد أن يتمخض عن (100) تريليون خلية حية تشكل بمجموعها الجسم البشري؟
ومن ثم كيف يمكن للجماد أن يخلق من نفسه خلية حية تفوق في عظمتها، وتعقيدها مدينة نيويورك، أو أي مدينة صناعية ضخمة؟ (كما ورد في مجلة (لوك look) الأمريكية في عددها الصادر في يناير/ كانون الثاني 1962م).

قال العالم البيولوجي البروفيسور (جيمس غراي Sir Games Gray) الأستاذ بجامعة كامبردج، “تفوق الجرثومة، وهي خلية بسيطة، في تعقيدها أي نظام عرفه الإنسان، وصنعه من الجماد بما في ذلك الكمبيوترـ
وعلى الرغم من أن الجرثومة خلية بدائية إلا أنها أعقد من أي معمل ظهر إلى الوجود حتى الآن”.

لقد أكد العلماء أن الخلية العصبية: (neuron) أشد تعقيداً من أي عقل الكتروني، علماً أنها أصغر من الملم الواحد بعشرات الآلاف من المرات.
وإذا علمنا أن في الدماغ البشري 100 مليار جهاز كومبيوتر حيوي، فائقة الدقة والتعقيد، أفلا نعتبر خلقها إعجازاً مذهلاً تخشع له القلوب المتحجرة؟ أم أن هذه المليارات من الكومبيوترات الدقيقة قد ظهرت من الجماد، ثم تخصصت وتطورت وهذبت نفسها بنفسها حتى أضحت على هذا النحو الوظيفي المعجز؟؟!!.

ويقول الدكتور “بونر” في كتابه “أفكار علم الأحياء”: “إن الخلية وحدة عجيبة التركيب من حيث التطور”.
ويبدو لنا انه من السهل علينا أن نتصور تحول خلية وحيدة إلى نبات، أو حيوان معقد من أن نتصور مجموعة من المود الكيميائية تتحول إلى خلية، هذا وإن الدراسة البدائية للتطور قد هبطت إلى مرتبة الظنون العلمية” (نقلاً عن كتاب خلق لا تطور /38/).
وقال: يتعذر على كل عاقل أن يصدق تحول الجماد إلى خلية حية بشكل عفوي، أو بمحض المصادفة لقد كانت نتيجة الدراسات التي قام بها علماء القرن العشرين في هذا المجال أن وضعوا نظرية النشوء الذاتي والتطور في خزانة الشطحات والظنون العلمية.

ويقول الأستاذ طومبسون في كتابه “النمو وعلم دراسة الهيئة” بشأن الحلقات المفقودة في تصنيف الداروينية للكائنات الحية:
“إن دراسة ثمانين سنة للدارونية التطورية لم تعلمنا كيف أن الطيور انحدرت من الزواحف والثدييات من ذوات الأربع، وذوات الأربع من الأسماك، وذوات الفقار من غير الفقاريات، ونجد أن المشكلة ذاتها حتى عند غير الفقاريات، والهوة عميقة جداً بين ذوات الفقار وغير الفقريات، وبين المجوفات وذوات الخلية الواحدة بحيث إننا لا نستطيع أن نرى من جانب الهوة الواحدة الجانب الآخر، بل إننا نقطع حاجزاً كلما أردنا أن نمر من أسرة إلى أخرى، ومن جماعة إلى جماعة.

فهناك مبدأ مقرر لعدم الاتصال ملازم لكل تصنيفاتنا، ولذا فمن العبث البحث عن ممر وسط لملء الفراغ، (نقلاً عن كتاب: خلق لا تطور).
حتى الذين ينتمون إلى هذه النظرية، فإنهم إنما يقبلونها لأنها توافق ميولهم الإلحادية، مثل آرثر كيت- وهو دارويني متعصب-
يقول: “إن نظرية النشوء والارتقاء لا زالت بدون براهين، وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد لها الممكن هو الإيمان بالخلق المباشر- أي الاعتراف بالله تعالى- وهذا غير وارد على الإطلاق، فهل يعتبر المغرورون من أبناء المسلمين بهذا القول الابليسي الذي لا يعتمد إلا على المكابرة والفجور؟!
هذا وقد تتابع الكثيرون من العلماء والباحثين في التصدي لهذه النظرية الداروينية مثل: آغا سيز في انجلترا، وأوين في أمريكا حيث قال: “إن الأفكار الداروينية مجرد خرافة علمية، وإنها سوف تنسى بسرعة”.

ونقدها كذلك العالم الفلكي الشهير هرشل ، ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي، ويقول كريسي موريسون: “إن القائلين بنظرية التطور لم يكونوا يعلمون شيئاً عن (وحدات الوراثة: الجينات) وقد وقفوا في مكانهم حيث يبدأ التطور حقاً، أعني عند الخلية”.
وأنتوني ستاندن صاحب كتاب “العلم بقرة مقدسة” يناقش الحلقة المفقودة وهي ثغرة عجز الداروينيون عن سدها، فيقول: “إنه لأقرب من الحقيقة أن تقول: إن جزءاً من السلسلة مفقودة، وليس حلقة واحدة، بل إننا نشك في وجود السلسلة ذاتها”.

وستيوارت تشيس يقول: أيد علماء الأحياء جزئياً قصة آدم وحواء كما ترويها الأديان، وأن الفكرة صحيحة في مجملها”.
ويقول أوستن كلارك: “لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيرها، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر الإنسان على الأرض فجأة، وفي نفس الشكل الذي نراه عليه الآن”.

وفي كتاب “علم الأحياء اليوم” لـ كلارك ومولر جاء: “لم تفسر نظرية داروين كيفية انتقال الصفات المكتسبة كما لم تفسر سبب ظهور مخلوقات ذات أعضاء واجهزة في غاية من التعقيد لم تكن معهودة في الأزمنة الغابرة”.
وقد أبطل باستور أسطورة التوالد الذاتي، وكانت أبحاثه ضربة قاسية لنظرية داروين.
“من شطحات هؤلاء الماديين ادعاؤهم أن أي قطرة من البروتوبلازما ستتحول إلى حيوان بدائي كالأميبيا، وقالوا: إن الحياة ستتشكل إذا استطاع الإنسان تركيب البروتوبلازما مخبرياً (والبروتوبلازما هو الهيولى أو المادة الأساسية التي تتركب منها الخلية الحية) لقد صدقهم بعض العلماء والمجربين فركبوا مواد مماثلة لبروتوبلازما الأميبيا الذي يعتبر أبسط أشكال الحياة على وجه الأرض، ففوجئوا بأنها لم تتحرك، ولم تدب فيها الروح، ولم تتكاثر، ولم تنقسم، ولم تتمخض عنها كائنات حية أبداً.”

هذا وقد قال داروين نفسه لهؤلاء: “إني أعترف أن من الحماقة الاعتقاد أن التطور، والاصطفاء الطبيعي قادر على صنع “عين” بما فيها من المؤهلات غير القابلة للتصنيع والتقليد”.
إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تثبت أن نظرية “دارون” القديمة، وكذا الداروينية الحديثة التي اضطر أصحابها أمام النقد العلمي الذي وجه إلى النظرية، ولم يستطيعوا أمام ضعفها إلا أن يخرجوا أفكاراً جديدة تدعيماً لها وتدليلاً على تعصبهم الشديد حيالها فأجروا سلسلة من التعديلات منها:
إقرارهم بأن قانون الارتقاء الطبيعي قاصر عن تفسير عملية التطور، واستبدلوا به قانوناً جديداً سموه قانون التحولات المفاجئة، أو الطفرات وخرجوا بفكرة المصادفة.
وأرغموا على الاعتراف بأن هناك أصولاً عدة تفرعت عنها كل الأنواع، وليس أصلاً واحداً كما كان سائداً في اعتقاد أصحاب النظرية الأولى.
وأجبروا على الإقرار بتفرد الإنسان بيولوجياً رغم التشابه الظاهري بينه وبين القرد، وهذه هي النقطة التي سقط منها داروين ومعاصروه.
وأخيراً فكل ما جاء به اصحاب الدراوينية الحديثة ما هو إلا أفكار هي ضرب من الخيال، والظن الذي لا يصلح أن يكون نظرية علمية محققة، وهي فرض من الفروض التي لا حقيقة لها في واقع الحياة، بل

هي نظرية هزيلة أعجز من أن تستطيع تفسير النظام الحياتي والكوني الذي يسير بدقة متناهية بتدبير الحكيم الخبير {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه، 5].
إضافة إلى أنها لا تثبت من جهة التجارب العلمية لأنه لا يمكن إجراء التجربة على التطور الذي يفترضونه جرى خلال ملايين السنين، كما أن المستحثات الحجرية لا تقر شئياً من ذلك.
ويتضح مما سبق، أن نظرية داروين دخلت متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون مندل الوراثي، واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات) باعتبارها الشفرة السرية للخلق، واعتبار أن الكروموسومات تحمل صفات الإنسان الكامالة، وتحفظ شبه الكامل للنوع.

وقال العالم الذي- كان يتبنى نظرية داروين- البروفيسور سميسون- الأستاذ في جامعة هارفارد- في كتابه الشهير” الأشكال الرئيسية للنشوء:
“لقد أكدت الدراسات العلمية بما لا يدع للشك مجالاً أن الكائنات الحية المعاصرة كافة بما فيها الإنسان قد ظهرت بشكل مفاجئ، ولا تمت بصلة قرابة للمخلوقات القديمة، كما أثبتت الأبحاث والعلوم عدم وجود تطور مستمر ولا اشكال متقدمة لحيوانات انتقالية تطورية”.

لقد بينت الدراسات الحديثة أن طبيعة وتركيب الكروموسوم البشرية مخالف تماماً لتركيب كروموسومات الحيوانات بما فيها القردة كما بينت وجود طابع صبغي لكل من هذه الأنواع تميزها عن الأنواع الأخرى، فتجعل منها نوعاً منفصلاً ومستقلاً منذ خلقها الله تعالى، وحتى قيام الساعة.

يقول العالم البروفيسور واطسون، والبروفيسور كريك: إن طريقة انتظام وتسلسل الأحماض النووية في (الخريطة الوراثية) الدنا: (DNA) تحدد صفات المخلوق، وشكله وخواصه، ووظائف أعضائه، وبذلك فهي تميزه عن باقي المخلوقات، وبهذا الطابع الوراثي (genotype) يتميز الإنسان عن القردة عن الخنازير… وهكذا.

وقد أثبت العالم القائم على التجربة بطلان النظرية بأدلة قاطعة، وأنها ليست نظرية علمية على الإطلاق، والإسلام وكافة الأديان الربانية تؤمن بوجود الخالق البارئ المدبر المصور الذي أحسن صنع كل شيء خلقه، وبدأ خلق لإنسان من سلالة من طين، ثم جعل نسله من نطفة في قرار مكين، والإنسان يبقى إنساناً بشكله وصفاته، وعقله لا يتطور ولا يتحول {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات، 21].
___________________________________
*جامعة الشارقة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.ioqas.org.sa.

الجهاز الهرموني… آية من آيات الله

دكتور محمد السقا عيد*

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019- 48

عالم من الروعة في التنسيق والدقة وآية جديدة من آيات الخالق في أجسامنا تحكم ما لا يُحصى من الأحداث الإرادية واللاإرادية في حياة الإنسان وتصرفاته.
إنها شبكة بريدية من الهرمونات التي تقوم بنقل الأوامر الصادرة من الدماغ إلى الخلايا ذات العلاقة، والتي تتحكم في جميع الفعاليات الضرورية لحياة الإنسان.

التركيب الكيميائي للهرمونات
الهرمونات مواد كيميائية يتركب بعضها من البروتينات أو الكربوهيدرات، وبعضها يوجد في صورة عضوية حرة، وكذلك منها ما يتحد في تركيبة مع بعض العناصر غير العضوية مثل هرمون الأنسولين الذي يتحد مع الزنك، ووجد أن بعضها يتكون من إستروئيدات مثل الهرمونات الجنسية وهرمونات الغدد الكظرية ومجموعة أخرى تتكون من مشتقات الفينول مثل هرمون الأدرينالين الذي يفرز من نخاع الغدد الكظرية.

تعريف الهرمونات
جاء في الموسوعة الصحية الحديثة عن تعريف الهرمونات ما يلي:
الهرمونات عبارة عن إفرازات باطنية تفرزها الغدد الصماء، تنتقل مباشرة إلى مجرى الدم دون الاستعانة بقنوات، وتفرز أعضاء أخرى في الجسم مثل الكبد والكليتين هرمونات، لكن معظم الهرمونات مصدرها الغدد.

مهمة الهرمونات
هو تنظيم النشاطات الداخلية في الجسم؛ مثل: النمو والتغذية، وتخزين المواد الغذائية، واستعمالها وعمليات التناسل، فإذا أفرزت الغدد أكثر أو أقل من الهرمونات، فإن مظهر الشخص يمكن أن يكون غير طبيعي.
وهناك غدد في الجسم تفرز هرمونات لها صلة بما يجعلنا نتصرف كذكور أوكإناث، إذاً فالهرمونات تعتبر مسؤولة إلى درجة كبيرة عنا وعن صحتنا.

والهرمونات هي مواد كيماوية تعمل بكميات غاية في البساطة وتدور في الدم بصفة مستمرة ليل نهار، ولها أبعد الأثر في وظائف أعضاء الجسم جميعًا الخامل منها والعامل.
والهرمونات مواد كيماوية فعالة تقرّر في جسدنا نسبة النمو والشكل والنعومة والرجولة والأنوثة، والقوة والضعف والانفعالات، وكل ما يمت إلى البقاء بصلة.
ويعتبر كل هرمون بمثابة رسول كيميائي محدد الوظيفة يسري في مجرى الدم، من الغدة المفرِزة إلى الخلية أو النسيج الهدف؛ ليؤدي دورًا محددًا، فالهرمونات في الأصل عبارة عن بروتينات أو سلاسل بيبتيدية، وهذه السلاسل تعتبر إحدى مراحل تكوين البروتين .وتمتاز بما يلي:
أ – تنتج هذه الهرمونات من مناطق محددة في جسم الكائن الحي تعرف بالغدد الصماء وتنتقل إلى الدم مباشرة لتلعب دورًا كبيرًا في تنظيم وظائف الجسم.
ب– لا تحدث الهرمونات تأثيرها في نفس المنطقة التي تفرزها بل تؤثر في مناطق أخرى بالجسم.
ج – يعتبر وجود الهرمونات أساسيًا في تنسيق وتنظيم وظائف الجسم لكن بكميات صغيرة.
د – الهرمونات إما أن تكون لها تأثير حافزي أي منشط، أو تأثير مثبط.
هـ – ومن ناحية التركيب الكيميائي وُجِد أن بعضها يتكون من بروتينات مثل الأنسولين، وبعضها الآخر يتكون من استروئيدات مثل الهرمونات الجنسية وهرمونات الغدد الكظرية، ومجموعة ثالثة تتكون من مشتقات الفينول مثل هرمون الأدرينالين الذي يفرز من نخاع الغدد الكظرية.


أنواع الهرمونات
تقسم الهرمونات حسب تركيبها الكيميائي إلى أربعة مجاميع كيميائية، وهي:
– الستيرويدات : مثل الإندروجينات، الإستروجينات.
– مشتقات الحموض الأمينية: مثل الثيروكسين، الأدرينالين.
– الببتيدات: مثل الفازوبرسين، الكورتيكوتروبين.
– البروتينات: مثل الأنسولين، السكرتين.

آلية عمل الهرمونات
هناك ثلاثة طرق رئيسة للتنشيط الهرموني:
1. قد ينشط الهرمون أحد الجينات، ومن الأمثلة عليها الهرمونات الجنسية، التي لها القدرة على الانتقال إلى داخل نواة الخلية والارتباط مع الحموض النووية (DNA).
2. قد ينشط الهرمون أحد الأنزيمات، ومن الأمثلة عليها هرمون الأدرينالين الذي ينشط أنزيمًا معينًا داخل الغشاء الخلوي، ويحدث هذا الأنزيم التغير المطلوب مع بقاء الهرمون خارج الغشاء الخلوي.
3. قد يغير الهرمون من مقدرة الجدار الخلوي؛ ليسمح بعبور بعض المواد إلى الداخل أو الخارج، ومن الأمثلة عليها هرمون الأنسولين وهرمون النمو؛ حيث يعتبران مثالين على مقدرة الهرمونات على تغير النفاذية. فالأنسولين يسمح بدخول الجلوكوز إلى داخل الخلية، أما هرمون النمو فيسمح بدخول الأحماض الأمينية إلى الخلية؛ لكي يتم تصنيع البروتين.

لماذا نخاف الهرمونات ؟ ولماذا يجب الحذر عند التعامل معها؟
1- هذا يعود إلى طبيعة الهرمونات نفسها ، فالهرمونات مواد حساسة جداً وتفرز بالجسم بنسب ضئيلة جداً لذا فأي خطأ سواء بالزيادة أو النقصان فى نسبها سيؤدي إلى تأثير جوهري .
2- هناك علاقات مختلفة فيما بين الهرمونات وبعضها فنجد مثلاً أن زيادة بعض هرمونات الجسم يؤدي إلى نقص هرمونات أخرى مثل هرمون الإنسولين المسؤول عن تقليل نسبة السكر، هناك هرمون مضاد له وهو هرمون الجلوكاجون وهو المسؤول عن زيادة نسبة السكر فى الدم ولذلك فإن الجسم بطبيعته يقوم بعملية موازنة بين احتياجاته وبين نسب هذه الهرمونات فى الدم فإذا تم تعاطي الهرمونات بطريقة صناعية غير مدروسة سيؤدي ذلك الى تشويش هذه النسب الطبيعية الربانية فى الجسم.
إذن فالهرمونات التي نطلق عليها إسم “ساعي البريد” عبارة عن جزيئات معقدة جداً لا يمكن شرحها إلا بمعادلات ورموز كيميائية معقدة.
وإن قيام جزيء الهرمون بمعرفة ما تحمله من رسائل وإلى أي خلية تحملها، ومواصلة سيرها في الظلام الدامس للجسم ( الذي يكبرها بمليارات المرات) دون أن تضل طريقها، ثم قيامها بتنفيذ هذه الوظيفة على أحسن وجه دون أي قصور، هذا كله عمل خارق ومعجزة مدهشة.
ويكفي هذا المثال فقط لمعرفة مدى كمال وروعة الأنظمة التي أودعها الله تعالى في جسم الإنسان وصدق الله القائل {إن في ذلك لآيات للعالمين}.
______________________________________________
* إستشاري طب وجراحة العيون وعضو الجمعية الرمدية المصرية. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.eajaz.org .

دراسة علمية حديثة نسفت نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين دراسة “صادمة” تكتشف “أصل البشر”*

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019 – 48

كشفت دراسة علمية حديثة أن كل البشر ينحدرون من “زوجين اثنين” دون غيرهما، عاشا من قبل في فترة ما بين 100 إلى 200 ألف سنة.
وبحسب الدراسة العلمية، التي نشرتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فإن هذين الزوجين، ارتبطا بعد “كارثة كبيرة” مسحت كل المخلوقات تقريباً، عن الوجود.
وأشارت الدراسة، التي قامت بها جامعتا “روكفلر” الأميركية وبال السويسرية ونشرت في دورية “التطور البشري”، إلى أن “الكارثة الكبيرة” وقعت بعد آخر عصر جليدي.
وجاءت هذه النتائج إثر دراسة مجموعة من العلماء للحمض النووي لأكثر من 5 ملايين مخلوق من مختلف الأصول والأنواع، بمن فيهم البشر.
ووجد العالمان ديفيد ثالر ومارك ستوكل أنّ 9 من 10 من هذه المخلوقات (من مختلف الأنواع، وليس البشر وحدهم) ينحدرون من نفس الأصل.
وأظهرت الدراسة أن البشر لهم تنوع جيني أقل من غيرهم من المخلوقات، إذ إنّ 90% من أصل كل المخلوقات الموجودة على الأرض حاليا بمن فيهم البشر يعود إلى آباء أخذوا يتكاثرون في الوقت نفسه تقريباً، وتحديداً قبل أقل من 250 ألف سنة مضت.
وتنسف هذه النتائج، إن صحت، نمط التطور البشري (نظرية النشوء والارتقاء لداروين)، فقد قال الباحث في جامعة بال ديفيد ثالر إنّ “هذه النتيجة صادمة للغاية. لقد حاولت أن أحاربها بكل ما أوتيت من قوة”.
من ناحيته، قال الباحث في جامعة روكفلر مارك ستوكل إنّه “في مرحلة شدد البشر على التفرد والاختلاف بين الجماعات، لكن الآن، لا بد أن نكرس مزيداً من الوقت لدراسة مدى التقارب والتشابه بيننا وبين بقية المخلوقات في مملكة الحيوان”.
وأوضح ستوكل أنّه “يمكن للثقافة والتجربة الحياتية وأمور أخرى أن تجعل البشر يختلفون عن بعضهم البعض بصورة أو بأخرى، لكن من منطلق بيولوجي بحت، البشر كالطيور وحيوانات أخرى”.
___________________________
المصدر:بريد القراء
*نقلاً عن صحيفة الجمهورية، 25 تشرين الثاني 2018، مترجمة عن مقالة نُشرت على موقع صحيفة الدايلي مايل البريطانية – LEIGH MCMANUS – نُشرت بتاريخ 24 تشرين الثاني 2018، رابط المقالة:
https://www.dailymail.co.uk/news/article-6424407/Every-person-spawned-single-pair-adults-living-200-000-years-ago-scientists-claim.html

الصيام علاج لمتلازمة التمثيل الغذائي*

أ. دانة عبده جرادي**

52- العدد الثاني والخمسون شتاء 2020

تتوالى الأبحاث الداعمة للصيام كعلاج للصحة الجسدية، النفسية وحتى الروحية.
الصيام المتواجد في كلّ الأديان السماوية، والذي يعتبر ركيزة أساسية للرياضات الروحية، يُثبت تأثيره على الإنسان يوماً بعد يوم مع تزايد الأبحاث المتعلقة بالغذاء وتأثيره على الجسد، لمحاربة الأمراض والحفاظ على صحة جيدة.
آخر الدراسات ما نشرحه أدناه عن الصيام لفترة معينة وتناول الطعام في مدة زمنية محددة، ما يشدد على صحة صيام المسلمين وانقطاعهم عن الطعام لساعات محددة. إذ يؤدي حصر مدة تناول الطعام إلى التأثير الايجابي على مرضى متلازمة التمثيل الغذائي.
متلازمة الأيض أو ما يعرف “بمتلازمة التمثيل الغذائي” (metabolic syndrome) هي مجموعة من المشاكل التي تحدث معًا وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني. تشمل تلك المشاكل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر في الدم وزيادة دهون الجسم حول الوسط ومستويات غير طبيعية من الكوليستيرول أو الدهون الثلاثية.

الصيام علاج
وجدت دراسة عيادية (clinical) أن تناول الطعام في مدة زمنية محصورة بعشر ساعات خلال النهار قد تساعد في تجنب مرض السكري وأمراض القلب.
تصيب متلازمة التمثيل الغذائي ما يقارب ٣٠% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، كما وأنها تزيد خطورة الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والجلطة. ونظراً لصعوبة المحافظة على نمط صحي للعيش، كاتباع حمية صحية وممارسة التمارين الرياضية، بالإضافة إلى تناولة الدواء، يتعذّر السيطرة على المرض.
الآن، وفي جهود تعاونية بين باحثي مؤسسة سالك (Salk’s Institute) ومدرسة سان دييغو للطب (San Diego School of Medicine)، وجدوا أن تناول الطعام يؤدي في فترة محصورة بعشر ساعات يومياً مع تناول الأدوية التقليدية، إلى خسارة الوزن وانخفاض الدهون في منطقة البطن، انخفاض ضغط الدم والكولسترول، واستقرار سكر الدم والإنسولين لدى المشاركين في الدراسة.
هذه الدراسة المصغرة، والتي تم نشرها في مجلة التمثيل الغذائي للخلية (Cell Metabolism Journal) في ٥ من كانون الثاني عام ٢٠١٩، قد تؤدي إلى خيارات علاجية جديدة لمرضى متلازمة التمثيل الغذائي الذين هم عرضى لخطر الإصابة بأمراض تغيّر مجرى حياتهم بالكامل.
يقول البروفيسور ساتشيداناندا باندا (Satchidananda Panda)، المؤلف والأستاذ المشارك في مختبر سالك (Salk) التنظيمي للبيولوجيا: “لقد وجدنا أن تحديد وقت الأكل بمدة زمنية معينة بالإضافة إلى تناول الدواء يعطي مريض متلازمة التمثيل الغذائي فرصة للسيطرة على المرض، بعكس نظام عدّ السعرات الحرارية، من السهل دمج هذا النوع من التدخل الغذائي في الحياة، إذ وجدنا استطاعة المرضى الحفاظ على جدول تناول الطعام”.

تأثير الساعة البيولوجية على متلازمة التمثيل الغذائي
يدعم تناول الطعام في فترة معيّنة (خلال ١٠ ساعات في النهار) إيقاع الساعة البيولوجية لدى الأفراد (Circadian Rhythm)، ويزيد من الفوائد الصحية كما أُثبت في دراسة سابقة نشرها فريق مؤسسة سالك.
إنّ إيقاع الساعة البيولوجية هو دورات تستمرّ لمدة ٢٤ ساعة للعمليات البيولوجية التي تؤثر تقريباً على كل خلية من خلايا الجسم. يتزايد عدد الباحثون الذين يجدون أن تناول الطعام بشكل عشوائي يعرقل هذا الإيقاع المنتظم ويزيد خطورة الإصابة بمتلازمة واضطرابات التمثيل الغذائي، التي تتّسم بأعراض كزيادة نسبة الدهون في البطن والكوليسترول غير الطبيعي أو الدهون الثلاثية، وارتفاع ضغط الدم ومستويات السكر فيه.

تقول إميلي مانوجيان في دراسة بحثية في مختبر باندا: “ان تناول الطعام والشرب (ما عدا الماء) خلال عشر ساعات فقط، يعطي الجسم فرصة للاستراحة واستعادة قوته خلال الستة عشر ساعة المتبقية في الليل، يمكن أن يتنبأ الجسم أيضًا بالوقت الذي سيأكل الإنسان فيه حتى يتمكن من الاستعداد لتحسين عملية التمثيل الغذائي” وأضافت: “أردنا معرفة تأثير تنظيم وقت تناول الطعام لدعم إيقاع الساعة البيولوجية على تحسين صحة الأفراد الذين يتم علاجهم من أمراض القلب الأيضية (cardiometabolic diseases)”.
ويضيف مساعد الباحث وأخصائي القلب ميخائيل ولكنسون (Michael Wilkinson): “لقد ظننا أن تناول الطعام المقيد بفترة ١٠ ساعات سيكون مفيداً، منها فوائد عائدة إلى التمثيل الغذائي”.
وجد الباحثون عند انتهاء الدراسة، تحسّن في نوم المشتركين، انخفاض نسبة ٣-٤% في كل من وزن الجسم، وفي مؤشر كتلة الجسم، ودهون البطن ومحيط الخصر. كما تضاءلت عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب حيث أظهر المشتركون انخفاض في ضغط الدم ونسبة الكولسترول، وتحسّنت مستويات السكر في الدم ومستويات الأنسولين.
وأعلنت البروفسورة وأخصائية القلب بام توب (Pam Taub) أن اكتشاف ارتباط عملية التمثيل الغذائي بإيقاع الساعة البيولوجية للإنسان، خوّلهم تطوير عملية التدخل لمساعدة مرضى متلازمة التمثيل الغذائي دون الحاجة لتقليل السعرات الحرارية أو زيادة التمارين الرياضية”، وقالت: “إذا استطعنا تحسين عمل إيقاع الساعة البيولوجية، سوف نستطيع تحسين عمل جهاز التمثيل الغذائي”.
بحسب البروفيسور ساتشيداناندا باندا (Satchidananda Panda): “إنّ تبني مبدأ تناول الطعام في فترة ١٠ ساعات خلال النهار هو طريقة سهلة وفعالة من حيث التكلفة من أجل تقليل أعراض متلازمة التمثيل الغذائي وتحسين الصحة”، وأضاف باندا: “عبر تأخير بدء مرض السكري ولو سنة واحدة عند مليون شخص يعانون من أعراض ما قبل السكري (prediabetes)، يمكن أن يوفر هذا التدخل تكاليف الرعاية الصحبة بنسبة ٩.٦ مليار دولار تقريباً”.

يجري العلماء الآن دراسة عياديه (Clinical Trial) مموّلة من قبل المؤسسة الوطنية للسكري وأمراض الهضم والكلى لاختبار فوائد حمية تناول الطعام في فترة زمنية محددة، على عدد كبير من المشتركين والذي لا يقل عددهم عن ١٠٠ شخص مُشخصين بمتلازمة التمثيل الغذائي، تحتوي هذه الدراسة على مقاييس إضافية لمساعدة الباحثين في استكشاف التغييرات في مكونات الجسم وعمل العضلات.

قلة الطعام في الاسلام
يأمرنا الله سبحان وتعالى بصوم شهر رمضان، يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون” (سورة البقرة، 183).
وعن أبي هريرة، أنّ رسول الله ﷺ قال:” تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم (أحمد والترمذي).
وقال أبو ذر الغفاري: أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ نصومَ منَ الشَّهرِ ثلاثةَ أيامٍ البِيضِ: ثلاثةَ عشَرَ وأربعةَ عشَرَ وخمسةَ عشَر (ابن حجر).
وكان ﷺ يصوم أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم التسعة الأوائل من ذي الحجة.
وكان سيدنا محمد ﷺ يقول: ” ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه” (الترمذي).


*أخصائية تغذية وصحة عامة، من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان
**ترجمة لمقالة “Clinical study finds eating within 10-hour window may help stave off diabetes, heart disease”، نُشرت في 5 كانون الأول 2019، الرابط: https://www.sciencedaily.com/releases/2019/12/191205141731.htm

الحديد والشمس

  د. مسلم شلتوت*

العدد الثامن والثلاثون صيف 2016 -38

الحديد أحد سبعة عناصر عرفها القدماء وهي: الذهب والفضة والزئبق والنحاس والرصاص والحديد والقصدير. وهو أكثر الفلزات انتشارًا في الطبيعة؛ فيوجد أساسًا في الحالة المركبة على هيئة “أكسيد” و”كبريتيد” و”كربونات” و”سيلكات” وتوجد كذلك مقادير صغيرة من الحديد الخالص في الشهب والنيازك الحديدية.

ويمتاز الحديد وسبائكه المتنوعة بخواص متعددة ومتفاوته الدرجات في مقاومة الحرارة والشد والصدأ والبلى وفي مرونة تقبل المغناطيسية وغيرها؛ ولذلك كان أنسب الفلزات لصناعة أسلحة الحرب وأدواتها وأساسًا لجميع الصناعات الثقيلة والخفيفة ودعامة للحضارات.
وللحديد منافع جمة للكائنات الحية؛ إذ تدخل مركبات الحديد في عملية تكوين” الكلوروفيل” وهي المادة الأساسية في عمليات التمثيل الضوئي التي ينشأ عنها تنفس النبات وتكوين” البروتوبلازم” الحية وبواسطتها يدخل الحديد جسم الإنسان والحيوان.

 ويدخل الحديد في تركيب بروتينات النواة (المادة الكروماتينية) في الخلية الحية, كما أنه يوجد في سوائل الجسم مع غيره من العناصر وهو أحد مكونات” الهيموجلوبين” المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء ويقوم بدور هام في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها.

والحديد يوجد كذلك في الكبد والطحال, والكلى والعضلات والنخاع الأحمر. ويحتاج الجسم إلى كمية من الحديد يجب أن يزود بها من مصادره المختلفة؛ فإذا نقصت تعرض الإنسان لعدة أمراض أهمها فقر الدم. والرمز الكيميائي للحديد هو Fe وهو العنصر رقم(26) في الجدول الدوري للعناصر؛ حيث إن عدده الذري عدد الإلكترونات حول نواته 26 إلكترونًا ووزنه الذري 56. وله نظائر متفقة معه في العدد الذري, ومختلفة معه في وزنه الذري وزن النواة. وهو عنصر من العناصر النشطة كيميائيًّا. ودرجة حرارة انصهاره وتحوله إلى سائل 1.535 درجة مئوية. ودرجة غليانه وتحوله إلى بخار 2750 درجة مئوية.

لقد نزل القرآن في عصر الحديد؛ حيث كانت تصنع السيوف ورؤوس الرماح والسهام منه وكذلك الدروع والخوذات وغيرها من أدوات ولباس الحرب. كما كانت تصنع منه فؤوس الحقل، وسلاح المحاريث لشق الأرض للزراعة؛ فلا غرابة أن يأتي ذكره في القرآن الكريم وأن تسمى سورة باسمه “الحديد” وقد أشارت الآية الكريمة رقم 25 في سورة” الحديد” إلى أن الحديد ذو بأس شديد ومنافع للناس؛ حيث يقول الله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} وقد فسرت هذه الآية الكريمة في “المنتخب في تفسير القرآن الكريم” الصادر عن “المجلس الأعلى للشئون الإسلامية” عام 1993 م على النحو التالي :”وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب ومنافع للناس في السلم يستغلونه في التصنيع؛ لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم”. وواضح هنا أن المفسرين قد أخذوا المعنى المجازي لكلمة “أنزلنا” بمعنى “خلقنا” ولم يتمسكوا بحرفيات الكلمة بأن الحديد نزل إلى الأرض من السماء.

… ولما انصهر الحديد صار هو المعدن العام وصار النحاس هو المعدن الخاص وبقيت الفضة هي الأميرة وبقي الذهب هو الملك؛ ومع ذلك فإن الحديد النقي كان ألين من البرونز الذي يعتبر مادة رديئة المستوى في صناعة السلاح وبعض التطبيقات الأخرى التي تتطلب عمرًا أطول. وكان تسخين الحديد في وجود الكربون الذي يأتي عادة من الفحم المستخدم في النار بالكربنة في قيد الغيب إلى ما قبل الميلاد بألف عام ؛ حيث اكتشف الهنود والصينيون وبعض القبائل الهندوأوربية تقنية الحديد المكربن الصلب.

لذلك كانت السيوف الهندية المصنوعة من الصلب رمز القوة والبأس عند العرب وكانوا يستوردونها من الهند ويسمون الواحد منها السيف “المهند” نسبة إلى الهند ويعتبرونها أشد السيوف و أقواها في العصر الجاهلي. …

هل الشمس خالية من الحديد ؟

ويدعي البعض أن الشمس لا تحتوي على الحديد؛ وأن الحديد جاء إلى الأرض من خارج المجموعة الشمسية عن طريق النيازك الحديدية؛ علمًا بأن الثابت علميًّا هو الحقائق التالية:
إن أكثر عشرة عناصر شيوعًا في الشمس هي: “الهيدروجين” و”الهليوم” و”الأوكسجين” و”الكربون” و”النتروجين” و”النيون” و”السليكون” و”الماغنسيوم” و”الحديد” و” الكبريت”.

وبالتحليل الكيميائي للنيازك الأصلية وجد أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الوفرة العنصرية في هذه النيازك وفي الشمس؛ مما يدل على أن أصلهما واحد؛ وهو ما نسميه بـ “السديم الشمسي” الذي تكونت منه الشمس وكواكبها وتوابعها وما يجول داخل هذه المجموعة الشمسية من نيازك ومذنبات. والغلاف الجوي للشمس يتكون من ثلاث طبقات هي: طبقة “الفوتوسفير” الطبقة المرئية, وطبقة “الكروموسفير” الطبقة الملونة باللون الأحمر, وطبقة “الكورونا” إكليل الشمس (والحديد موجود في الطبقات الثلاث في صورته الذرية أو صورته الأيونية تبعًا لدرجة حرارة الطبقة؛ …

ما هي آلية إنتاج الحديد في الكون ؟

إن الآلية الوحيدة المعروفة لدينا والتي يمكن أن تنتج العناصر الثقيلة هي الاندماج النووي؛ حيث تتحد البروتينات لتعطي نوي “الهليوم”؛ ومنها تشتق نوى الكربون والعناصر الأثقل وإن هذه التفاعلات تكاد تكون مستحيلة في أي مكان باستثناء باطن النجوم؛ إذ لا تتوفر الحرارة والكثافة العالية إلا هناك وبعد اندماج نوى” الهيدروجين” لإنتاج “الهليوم”- وهذا أطول تفاعل وهو في الوقت نفسه أكثر التفاعلات الاندماجية إطلاقًا للطاقة- وكلما كانت الفترة الزمنية لإنهاء التفاعل أقصر. وتنتهي سلسلة التفاعلات الاندماجية عندما يفقد الغاز إمكانية الاحتفاظ بدرجة حرارة تستطيع موازنة أثره الجاذبي؛ ويحدث ذلك عندما يتكون الحديد 56 بوصفه منتجًا نهائيًّا لسلسة التفاعلات الاندماجية؛ حيث يعتبر الحديد في هذه الحالة كعادم الاحتراق في باطن النجوم وغير قابل للاندماج النووي لإعطاء طاقة جديدة وعنصرًا جديدًا في باطن النجم وعندما تنخفض درجات الحرارة ينخفض بدوره ضغط الإشعاع والغاز؛ وعندما يصبح ضغط الغاز ضئيلاً جدًّا تتمخض حالة عدم الاستقرار عن انفجار هائل يعرف بـ” المتجدد الجبار” الذي يرافقه تشظي الأقسام الخارجية للنجم وقد تجاوز إشعاع “المتجدد الجبار” إلى درجات حرارة هائلة (حتى عدة آلاف من ملايين الدرجات)؛ مما يسمح بتكون أثقل العناصر كـ”اليورانيوم”….


*من بحث بعنوان: الحديد والشمس والعلقمة الحمراء، وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع  www.eajaz.org

الإيمان بالآخرة يمنح الأمل للبشر والإيمان بجهنم يحمي الشباب من الانحراف

المهندس الدكتور عبد الدائم كحيل*

العدد الثامن والثلاثون صيف 2016 -38

الإيمان بالآخرة يمنح الأمل
هل تعلم أن العلم الحديث اكتشف أن الإيمان بالآخرة ضروري جداً لسعادة الإنسان ومنحه الأمل في الدنيا… بل وزيادة استقراره وتخلصه من الاكتئاب والقلق؟

بحث جديد لجامعة كنت University of Kent ونشر في موقع Science Daily بتاريخ 14-5-2015 تقول بأن الإيمان بالآخرة ضروري جداً للبشر، ولكن لماذا؟
تؤكد جميع الدراسات العلمية أن الموت هو أكبر لغز في تاريخ البشرية، وأن سلوك الإنسان يختلف تماماً أثناء التفكير بالموت. حيث يؤكد الباحثان Dr Arnaud Wisman and Dr Nathan Heflick من جامعة University’s School of Psychology أن الإنسان يفقد الأمل أثناء التفكير بالموت، ولكن الإيمان باليوم الآخر يعزز الأمل لدى الناس حتى أثناء التفكير بالموت.
والنتيجة أن الإنسان بحاجة للأمل ليعيش حياة سعيدة… ولذلك فهو يكره الموت وبالتالي فإن المشكلة ليس في الموت نفسه، بل بما بعد الموت!! وهنا نود أن نتذكر حديثاً للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات، يعني الموت) [رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه].
وكأن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام يريد أن يمنحنا الأمل من خلال تذكر الموت! لأن المؤمن عندما يتذكر الموت والقبر وعذابه أو نعيمه لابد أن يتذكر الجنة ونعيمها أو النار وجحيمها… ويتذكر الوقوف بين يدي الخالق في يوم مدته 50,000 سنة!!! وفي هذه اللحظة تهون عليه مصائب الدنيا وهمومها.. ويمتلئ بالأمل والسرور والفرح بلقاء الله تعالى… فينقلب هذا الموقف من تعاسة لدى الملحد إلى فرح لدى المؤمن…
فالملحد عندما يتذكر الموت يخاف… وتبدأ حساباته وآلامه وحسرته على الدنيا التي سيتركها وربما تعرض لظلم أو مرض أو مشاكل… ولم يتمكن من حلّها… فيصاب بضيق شديد واكتئاب وخوف وقلق… فأسوأ شيء على الملحد هو أن يتذكر الموت واليوم الآخر ووقوفه بين يدي الله… فهو لا يدري هل الله موجود أو هناك احتمال أن يكون موجوداً وماذا سيصنع وقتها…

لذلك أخي المؤمن… مهما كانت مشكلتك كبيرة وعظيمة سوف تزول وتصغر بمجرد أن تتذكر لحظة الموت ونزول القبر… وبعد ذلك الوقوف لمدة خمسين ألف سنة، وبعدها لا تدري ما هو مصيرك… فهل تفرح معي بلقاء الله تعالى وتتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه… ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه) [متفق عليه].
وأخيراً فقد ذكّرنا القرآن في آية عظيمة بهذا الموت، فقال مخاطباً سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر: 30]… فهل تكثروا يا أحبتي من ذكر الموت؟!

الإيمان بجهنم يحمي الشباب من الانحراف
هل تتصور عزيزي القارئ أن علماء الغرب بدأوا يكتشفون أسرار الإيمان… وهذه دراسة علمية لجامعة أوريغون تؤكد أهمية الإيمان بنار جهنم!!….

ظل الملحدون يرددون عبارة أن الدين جاء لتخويف الناس وتهديديهم واستغلالهم… وأن الوسيلة الأفضل للحياة السعيدة هو التخلص من فكرة الدين أو وجود خالق للكون والتخلص من فكرة عذاب جهنم… وغير ذلك.
ولكن تبين بأن الإلحاد يعزز لدى الملحد فعل مختلف الجرائم وبخاصة في فئة الشباب… ولذلك قامت جامعة أوريغون عام 2012 بدراسة مجموعات من الذين يؤمنون بيوم الحساب ووجود عقاب للجرائم التي يرتكبها المجرم في الدنيا وأنه سيعذب في نار جهنم… وتبين أن هؤلاء هم الأقل ارتكاباً للجرائم.


وخرجوا بنتيجة تؤكد أن الخوف من العقاب يمنع الإنسان من ارتكاب المحرمات.. وبالتالي فإن الإيمان بالله واليوم الآخر والحساب والعقاب، هو طريقة سهلة لمنع المجرمين من ارتكاب الجرائم.

إذاً هذا ما يقوله العلم، فما رأي الملحدين بعد هذه الدراسة؟ لابد أن يعترفوا بأن الإيمان بجهنم شيء جيد لأنه يمنع ارتكاب الجريمة… وبما أن الملحد ينادي بالعدل، إذاً يجب أن يؤمن بيوم الحساب لكي يحاسب الله كل ظالم ويعطي حق كل مظلوم وهذا هو العدل…
وسبحان الله، نجد الملحد ينادي بالعدل ثم ينكر يوم الحساب… وينادي بالعلم ثم ينكر دراسات العلماء… ونجده ينادي بالأخلاق ثم ينكر الأخلاق التي جاء بها الأنبياء من الله تعالى… الملحد ينكر وجود الله ولكن العلم يؤكد أن الإيمان بالله هو جزء من فطرتنا… ولذلك فإن الملحد متناقض في كل شيء. وهذا ما أنبأ عنه القرآن في قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}[ق: 5]. ومعنى كلمة (مَرِيجٍ) أي مضطرب ومختلف ومتناقض ومختلط…
نسأل الله تعالى أن يصرف عنا نار جهنم وأن نكون ممن يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65]…
وأخيراً نقول: إذا كان الغرب اليوم بجامعاته العريقة… قد وجد أن الإيمان بوجود إله قوي يعاقب الظالم وينصف المظلوم، قد ساهم ويساهم في بقاء المجتمعات الإنسانية… ولذلك يدعون للاعتقاد بيوم الحساب… وسبحان الله يخرج في بلداننا الإسلامية من يدعو لإنكار الخالق والكفر بيوم القيامة… ولذلك فإن الإلحاد مدمر مثله مثل التطرف بل هو أسوأ أنواع التطرف… فالحمد لله على نعمة الإسلام.
____________________________________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.kaheel7.com
المراجع
Afterlife belief preserves hope when thinking about death, University of Kent, May 14, 2015. https://www.kent.ac.uk/news/society/5466/afterlife-belief-preserves-hope-when-thinking-about-death
https://uonews.uoregon.edu/archive/news-release/2012/6/belief-hell-according-international-data-associated-reduced-crime
https://www.psychologytoday.com/blog/the-big-questions/201403/exploring-belief-in-god-punisher

لم هذا التكتل ضدنا

الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

حين نزل الإسلام من أربعة عشر قرناً، طُبِّق واقعاً في الحياة. ولم يبق مبدأً نظرياً فحسب، بحيث لو تعرض للتطبيق خاس ولم ينفع، ولكنه طبّق.
وظلّت الدولة الإسلامية هي الدولة الاولى في العالم قرابة الف سنة. ذلك هو ما يخيف خصوم الإسلام ولذلك يحاولون جاهدين أن يجعلوا مبادئ الإسلام باهتة في نفوس المسلمين أنفسهم، فيورّدون لهم كل شر.
وإذا ما ورّدوا لنا كل شر، أقبلنا عليها على أنه المظهر الحضاري، فإذا ما أخذنا عنهم ذلك سرّوا بهذا لأن ذلك يفتُّ في أعضادنا كمسلمين، وذلك يفرحهم هم، لأننا لو كنا مسلمين بحق لأخفناهم ولأرعبناهم ولما استقر لهم قرار، وقد جرّبونا.
إذاً فكل الوافدات التي تفد الينا من شرور هذه الحضارات، وافداتٌ مخطط لها، ومرسوم لها حتى لا يكون المسلمون كما يريدهم الاسلام، ويريدون منا ان يكون الله على ديننا، وأن لا نكون نحن على دين الله. فكأنهم يريدون الإنسان مشرِّعاً وكأنهم يريدون الله تابعا في دينه الى ما نقرره نحن.
كلما رأيت تكتلاً أمام الإسلام فافهم أن الذين يتكتلون يفهمون قوة الإسلام، ولو لم يكونوا فاهمين لقوة الإسلام لما تكتلوا أمامه ذلك التكتل.
كل القوى تتصارع ضد الإسلام، الملحدون ضد الإسلام، لماذا هذا التكتل؟ لماذا لم يتفقوا على شيء الا على الحرب على الإسلام؟ لأنهم عرفوا أن الإسلام اذا تيقّظ كمبادئ وكمنهج وسلوك فلن يبقى لظلمٍ دولة ولا لطغيانٍ أمة.

حكمته صلى الله عليه وسلم في تأسيس الدولة السنة الأولى للهجرة

بقلم أ.ع.

إن الهجرة كانت محطة هامة في حياة المسلمين وفي تاريخهم السابق واللاحق، لأنها أظهرت الإسلام على العالم كله، وانتقلت بالمسلمين من إسلام الأفراد إلى إسلام المجتمعات والأمم، ولذلك اعتمدت كمنطلق للتأريخ والتقويم الإسلامي، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بدلاً من العرف المعتمد على تاريخ ميلاد أحد أو وفاته مهما عظُم شأنه.

وقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الأول على عدة ركائز أساسية أهمها: المدينة الفاضلة ومركزها الرئيسي المسجد، وهو مقر الدين ومقر التشريع ومقر الدولة، ثم تنظيم العلاقات داخل هذا المجتمع من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم بناء شخصية المجتمع الجديد وتدعيم خصائصه الفريدة ليكون القدوة والمثل عبر تنظيم العلاقة مع الجيران المشركين منهم واليهود.

1-تأسيس المدينة الفاضلة:
بقدوم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم بدأت المدينة تأخذ منحىً جديداً وإطلالة جديدة في كل شيء وارتدت حلّة العاصمة والمقر فصارت دار الإسلام والسلام بعد أن كانت داراً للحروب والفتن، وداراً للنظافة والنظام بعد أن كانت داراً للأوبئة والأمراض والفوضى. ما أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة حتى قرر أن يجعل أسرته وأسر الخُلّص من أصحابه قدوةً ومثلاً للمجتمع، فأرسل في طلب بناته وزوجته سودة بنت زمعة، من مكة المكرمة وكذلك فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة الكرام. وخلال السنة الأولى من الهجرة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.

وكان صلى الله عليه وسلم شديد القلق على الصحابة الذين حجزتهم قريش في مكة ومنعتهم من الهجرة وكان يخشى عليهم من أن يضطروا إلى الخروج من ربقة الإسلام ويعودوا في ملة آبائهم من جديد، فكان يقنت في صلاة الصبح ويدعو في قنوته، لأصحابه المحتجزين وعلى الذين يحتجزونهم.

ثم لم يزل يدعو لهم حتى نجاهم الله تعالى.

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه أمور الدنيا والآخرة ودخل معهم في أدق تفاصيل حياتهم، في تربية أطفالهم، فيقول:”مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع”، وفي آداب معاشرة نسائهم شكت خولة بنت حكيم زوجها عثمان بن مظعون قيامه بالليل فقال له:” يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك بي أسوة؟ والله إن أخشاكم لله وحدوده لأنا”. وفي آداب المسجد وفي آداب المجتمع، روى عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال:(كان أول ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”). كما قال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا”.

واهتم كذلك بتـنظيم أمورهم الاقتصادية والمعيشية، فعني باستقلالهم وعدم استغلال اليهود لهم اجتماعياً واقتصادياً، فخرج إلى ناحية من المدينة وخط خطاً كبيراً وقال: “هذه سوق المسلمين يبيعون فيها ويشترون وليس لأحد عليهم منّة”، وشجع الصناعة المحلية: وحضّ المسلمين على العمل فقال: “ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”، فمع أنه كان ملكاً مفخماً فقد كان ينسج الدروع ويبيعها. وأعان العبيد من المسلمين على المكاتبة ليتحرروا من الرق، وحرّض أصحابه على إعانتهم ومؤازرتهم، وشجع على التجارة فقال: “تسعة أعشار أرزاق أمتي في التجارة”. وكان أهل المدينة من أخبث الناس كيلاً، فأنزل تعالى:”وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ” فصاروا أكثر الناس أمانة وضربوا للناس بها مثلاً.

وأصبحت المدينة في وقت قصير مقصداً فلئن كان الحج إلى بيت الله الحرام لا يزال محظراً على المسلمين فإن القصد إلى مدينة الرسول الكريم وتلقي الدين عن المعلم بات فرضاً شرعياً، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”. كما قال: “إن الإيمان ليأرِز إلى المدينة كما تأرِز الحية إلى جحرها”.

2-المساواة بين المسلمين:
طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يؤوا إخوانهم المهاجرين وينصرونهم بالمال والجوار، قال: “إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم”. فتجاوب الأنصار بصورة مذهلة وهبّوا لنصرة إخوانهم المهاجرين وتقاسموا الأموال والدور والعمال والثمار وجعل بعضهم (سعد الربيع) يعرض بعض زوجاته على أخيه المهاجر(عبد الرحمن بن عوف) ليطلقها له .

وخطّ النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين بيوتاً في كل أرض ليست لأحد وفيما وهبه الأنصار من أملاكهم، رضي الله عنهم.
ولخمسة أشهر من الهجرة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين من مهاجرين وأنصار، وقال: “تآخوا في الله أخوين أخوين”. فذابت الفوارق الاجتماعية الموروثة عن الجاهلية وانحلت عقد التكبر والاستعلاء والتمييز الطبقي والعنصري، وصارت التقوى والتضحية والخدمة مقياساً للتفاضل بين الناس. وعمّت فضيلة التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى والإيثار بالمال والطعام والجهد والتناصح في الله والتزاور في الله.وأثنى الله تعالى على الفريقين فقال:
{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 8،9].

أذهبت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وحشة الغربة لدى المهاجرين وآنستهم لبعد الأهل والعشيرة وشدت أزر بعضهم ببعض، ووصل بهم الحال في بادئ الأمر إلى التوارث، فلما عزّ الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة واستقرت الأحوال، بطل التوارث وعاد كل امرئ إلى نسبه وذوي رحمه فأنزل الله تعالى قوله:{وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ْ}[الأحزاب:6].

وبالرغم مما بذله الأنصار لإخوانهم المهاجرين فإن هؤلاء لم يقبلوا من الأنصار إلا حاجتهم وما يكفيهم بالحد الأدنى.
أدت المؤاخاة إلى حل سريع لمشاكل المهاجرين الحياتية لكي لا يلهيهم ذلك عن الدعوة إلى الله ولينصرفوا إلى الجهاد في سبيله.
وفي العدد القادم إن شاء الله نعرض لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في جعل المدينة مكاناً ترتاح إليه الأنفس والأجسام والأرواح.

تحرير المرأة العربية من نفسها ومن عقدها ومما يخططه الغرب لها

أ‌. سوزان حيدر*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

في ظل ما نسمعه في السنوات الأخيرة المنصرمة عن المرأة العربية وخاصة المسلمة، التي أصبحت محط أنظار العالم الغربي، والتي يريد العالم تحريرها وإلحاقها بأختها الغربية التي هي بنظرهم أيقونة من الأيقونات المقدسة للتحرر ولبناء المجتمعات السليمة الحرّة، فهل تشكل المرأة المسلمة بحجابها وأسرتها عائقاً لبناء مجتمع حر ومستقل، بحسب المبادئ المعاصرة الجديدة التي تتبناها أكثر الدول الغربية. والتي تعتقد أيضاً بأن الرجل هو بمثابة حاجز أمامها يجب الحد من دوره كزوج وكأب. وقد تم التركيز على مواضيع اعتبروها ملخصاً “لمعاناة” المرأة المسلمة كـ: “تعدد الزوجات، وضرب النساء، أو ختان المرأة”(1).

ومثال على الآراء المنتشرة والصورة التي يتم تعميمها عن المرأة المسلمة “المضطهدة” بحسب قول الكثيرين، يعتبر جوش سيريتي Josh Cerretti في مقالة له تحت عنوان: “نظرة الغرب للمرأة المسلمة” أن المرأة المسلمة فقط هي من تعاني من الاضطهاد، وأنها أصبحت رمزاً للنضال من أجل المساواة مع الرجل.(2)
وكتبت الباحثة ياسمين أسامة عبد المنعم كتاباً بعنوان “صورة المرأة العربية في الصحافة الأميركية والبريطانية” أكّدت فيه: “أنه على الرغم من التطور التكنولوجي وتحسن أوضاع المرأة العربية، ظلت الصحافة الغربية تقدم صوراً قديمة ومشوهة ومتحيزة ضد العرب بصفة عامة، والمرأة العربية بصفة خاصة، حيث دأبت على تقديمها في صور نمطية تعكس الاستسلام والسلبية والأمّية والانقياد والتبعية للرجل والمجتمع وعاداته والتقاليد التي تحكمه، حيث لا تبرز من دور المرأة إلا تلك الأدوار التقليدية المربوطة بالإنجاب والبيت، في تجاهل تام لما حققته من نجاحات في مجالات عديدة”.(3)

ومن هذا المنطلق علت الصيحات على منابر التواصل الاجتماعي وفي الاعلام المرئي والمسموع وغيرها، ونُظمت الحركات النسائية “لتحرير المرأة العربية المسلمة”. كجمعية “انتفاضة المرأة العربية”، جمعية “تحرير المرأة العربية”… الذين نادوا بالخروج عن كل العادات والتقاليد والتخلي عن المسؤوليات والالتزامات… والتي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها.
“فانتفضت المرأة العربية”، على حد زعمهم، ونادت بأعلى صوتها وفي صفحات التواصل الاجتماعي حيث أعلنت ما يلي:

هذه المقولة من أحد المقولات التي دعت إليها جمعية “انتفاضة المرأة العربية” التي تأسست عام 2011 ومن مقرراتها “علينا نحن النساء أن نكمل الثورة للإطاحة بالذكورية التي تجعل من كل رجل ديكتاتورًا في بيته على زوجته وابنته واخته وحتى على أمّه… لا أولويات لا رقابة ذاتية، ولا مساومة على حقوقنا. إما أن تكون الثورات كاملة بنا أو لا تكون. ولنتذكر دوماً، أنه باستطاعة امرأة واحدة أن تحدث فرقاً كبيراً. ولنا أن نتخيّل ما قد تفعله مئتا مليون امرأة في عالمنا العربي معاً…”(4)
وهنا السؤال تحرير المرأة من ماذا؟ هل هذا “التحرر” يبني مجتمعاً سليماً يرتكز على التعاون والتكامل بين الجنسين؟ أم نرى أنها حملة لإثارة الأحقاد بين المرأة والرجل بحيث حولوا المسألة صراعاً بينهما كلٌّ يريد إثبات نفسه بأنه الأفضل والأقوى؟
هناك مقولة قديمة “أبغض ما في الرجل العربي غيرته على نسائه”، والتي باتت ماضياً يُحكى حيث أصبح كثير من الرجال في أيامنا هذه يحاول خلع هذه الصفة عنه لأنها لم تعد تتفق مع المبادئ الجديدة والمستوردة لاكتساب صورة “الرجل المتحضر”.
لماذا المرأة المسلمة؟ لدى المرأة المسلمة في الإسلام مكانة عظيمة ودور مهمّ في إنشاء المجتمع، لذا فإن ضرب هذا الدور قد يسبب الضربة القاضية لهدم مجتمع بأكمله.

قال أحد اليهود قديماً: “إن مكسبنا في الشرق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها، فإذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها كسبنا القضية واستطعنا أن نستولي على الشرق” وجاء في بروتوكلات حكماء صهيون: “علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية”.
وقال آخر: “كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات”. (5)
لذلك عقدت ونظّمت المؤتمرات لأجلها “ففي عام 1980 عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الثاني الخاص بالمرأة، للوقوف على ما تم انجازه من تنفيذ توصيات مؤتمر المكسيك، وفي عام 1985 عقد المؤتمر الثالث الخاص بالمرأة (إستراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض بالمرأة) في نيروبي بكينيا، وفي عام 1995 عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الرابع للمرأة في بكين ودعت إلى مضاعفة الجهود والإجراءات الرامية إلى تحقيق أهداف استراتيجيات نيروبي، ويعتبر هذا المؤتمر من أخطر المؤتمرات، حيث دعت فيه بوضوح إلى العديد من الأمور التي تخالف الشريعة الإسلامية، مثل: الدعوة إلى الحرية والمساواة – بمفهومهما المخالف للإسلام ـ والقضاء التام على أي فوارق بين الرجل والمرأة، وقامت الأمم المتحدة كمتابعة لمؤتمر بكين بتنظيم مؤتمر “المرأة 2000: مساواة النوع، والتنمية والسلام للقرن الحادي والعشرين”، والذي أصبح معروفا باسم بكين + 5 ، ثم بكين +10 عام 2005، ومؤخرا بكين +15 عام 2010.
كذلك وضع المؤتمر العالمي المعني بالمرأة في بكين عام 1995م منهاج عمل وخطة لتنفيذ بنود إتفاقية السيداو، أُلزمت الدول التي صادقت على الاتفاقية بالعمل بها، ودعا المؤتمر بصراحة إلى عدد من الأمور التي تخالف الفطرة والشرع، ومنها: الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة، والسماح بالإجهاض، وتحديد النسل، ومنع الزواج المبكر، وإباحة الزواج اللانمطي، والاعتراف بالشواذ، والتركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتعميمه، والقضاء على أي فروق تشريعية بين الرجل والمرأة.

كما تضمنت وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة (المساواة والتنمية والسلام)، المنعقد في نيويورك عام 2000م الدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات، والتبكير بها مع تأخير سن الزواج، وأوصى المؤتمر بتشجيع جميع أنواع العلاقات خارج إطار الأسرة الشرعية (للرجل والمرأة)، وتهميش دور الزواج في بناء الأسرة، والسماح بزواج الشواذ من الجنس نفسه، والمطالبة بإلغاء التحفظات التي أبدتها بعض الدول الإسلامية على وثيقة بكين.
ومن الملاحظ في وثيقة بكين بوجه خاص وأغلب مواثيق المؤتمرات السابقة أنها لم تعترف بكون الزوج شريكًا شرعيًا في مؤسسة الزواج، بل لم تعترف من الأصل بوجود مؤسسة تسمى الزواج والأسرة، وإنما شجعت على تكوين مؤسسات جديدة ترتكز على الزمالة والصداقة والشراكة، لذلك أكثرت من ذكر الشريك أو الزميل باعتباره الطرف الآخر في العلاقة بين طرفين أحدهما ذكر والآخر أثنى، أو كلاهما ذكر، أو كلاهما أنثى، وذلك في العلاقات الشاذة (اللواط أو السحاق)، لذلك طغت على الوثائق صفة الفردية كونها وصفًا للمرأة لا كونها ضلعًا في مؤسسة الأسرة، إضافة إلى كلمة “جندر” التي وردت في وثيقة بكين ستين مرة.”(6)

ما أُعطيَته المرأة في الاسلام ؟

ركّز الاسلام على بناء المجتمع ككل، والأسرة هي جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع لذا أولاها الاسلام اهتماماً كبيراً، وأعطى الزوجة والأم مكانةً كبيرة فيها والدور الأساسي في تربية الأولاد وتنشئتهم التنشئة الصالحة.
الأم هي التي تعمل على بث روح العمل والإخلاص في نفوس أولادها من أجل خدمة المجتمع وبنائه.
صان الاسلام حقوق المرأة واحترم إنسانيتها وعرف فضلها وخصّها بكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تكرمها أماً وزوجة وأختا وبنتاً.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “كنا في الجاهلية لا نعُد النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقًا”. (صحيح البخاري)
من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصص سورة باسمها وهي سورة “النساء”، وكرّم الإسلام المرأة أماً، فقال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”. (الآية 23 من سورة الإسراء)
فهي في الاسلام راعية وسيدة في بيتها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:”كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِها” (ابن السني).

وللزوجة حقوق على زوجها قال الله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (الآية 19 من سورة النساء) وقوله جلّ وعلا “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (الآية 228 من سورة البقرة).
وكان العرب في الجاهلية يُكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم، وجاء الإسلام فأنكر ذلك ونهى عنه واستقبحه قال تعالى “وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”. (الآية 33 من سورة النور)، ونهى الاسلام عن ضربها وجلدها إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها”(البخاري ومسلم.)

وفي الختام أختي المسلمة الكريمة العزيزة في دينها الوقورة في حجابها الجميلة العفيفة في إيمانها، لا تكاد الحياة تخلو من تعب وكبد، والمؤمن معرض فيها للفتن، أنت جوهرة ثمينة وأنت خُلقتِ لتكوني سيدة زمانك عفة وطهارةً وسعادة. اجتهدي في أسرتك وحياتك لتكون أكثر نجاحاً وتفوقاً واعلمي أن دورك في بناء الأمة عظيم، فلا تكوني وسيلة للهدم والدمار، قومي بدورك كما أمرك الله تعالى، كوني صانعة للرجال والأجيال.


*من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة –لبنان.
المصادر:
(1): مقالة على موقع “الجزيرة” تحت عنوان “المرأة العربية بعيون غربية” لعادل لطيفي، رابط المقالة: https://bit.ly/3bqDbz2
(2): مقالة “المرأة المسلمة في عيون الغرب” على موقع “لها” ترجمة ايمان سعيد القحطاني نُشرت بتاريخ 6 تشرين الأول 2012، رابط المقالة:
http://www.lahaonline.com/articles/view/41710.htm
(3): مقالة “الغرب يرسم صورة أخرى للمرأة العربية” على موقع “العرب” نُشرت بتاريخ 25 كانون الثاني 2017، رابط المقالة: https://bit.ly/2RPCLu9
(4): مقالة على موقع مجلة “بدايات” تحت عنوان “انتفاضة المرأة في العالم العربي” نُشرت في العددين الثالث والرابع، رابط المقالة:
https://www.bidayatmag.com/node/224
(5): مقالة على موقع “المسلم” تحت عنوان “كيف ينظر اليهود للمرأة” لخباب الحمد نُشرت بتاريخ 24 نيسان 2010، رابط المقالة:
http://almoslim.net/node/127172
(6): مقالة على موقع “رسالة المرأة” تحت عنوان “المؤتمرات الدولية والمرأة المسلمة.. تعددت الصياغات والهدف واحد” لرشا عرفة نُشرت بتاريخ 29 حزيران 2010، رابط المقالة:
http://woman.islammessage.com/article.aspx?id=626

تأثير الخوف على النسيج الكبدي

د. لطيفة إسحاق خياط*

العدد السابع والأربعون خريف 2018 – 47

قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:34]
قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته” رواه مسلم كتاب الصيد والذبائح.

الحقيقة العلمية:
أظهرت العديد من الأبحاث العلمية الحديثة حقائق مذهلة عن مظاهر الخوف الفسيولوجية التي تحدث داخل الجسم، نتيجة التعرض للخوف الشديد، كالخوف من القتل والذبح.
ويعتبر الجهاز الهرموني هو المسؤول عن حدوث هذه التغيرات الفسيولوجية بما يفرزه من هرمونات تؤثر في الحالة الفسيولوجية للجسم، وتنظم عمله، ويمكننا تعريف الهرمون كما يلي:
الهرمون عبارة عن جزيئات تفرزها الغدد الصماء في الدم مباشرة: ليؤدي وظيفة معينة في الجسم، ويقوم الدم بتوزيع هذا الهرمون على أجزاء الجسم. بعض الهرمونات سريعة التأثير مثل هرمون الأدرينالين الذي يهيئ الجسم لمواجهة الخطر، وهرمون الأنسولين الذي ينظم نسبة السكر في الدم، وبعضها بطيء التأثير، ويؤثر خلال فترات زمنية طويلة مثل هرمون النمو، والهرمونات الجنسية.
تعتبر الغدة النخامية هي الغدة المسؤولة والمسيطرة على الغدد الصماء، فهي عبارة عن جسم صغير يتدلى من السطح السفلي للمخ، وتفرز هرمونات منبهة، ومنشطة لكل من الغدة الدرقية، والغدة الكظرية، والغدد التناسلية، وغيرها لذلك تعتبر الغدة الننخامية رئيسة الغدد الصماء.

تقوم الغدة الكظرية، أو الغدة فوق الكلوية، بإفراز الهرمون المسؤول عن حالة الخوف الشديد، حيث يوجد زوج من الغدد الكظرية كل منها عبارة عن جسم أصفر هرمي الشكل، يلتصق بأعلى الكلية، ويتركب من جزء خارجي ( قشرة الكظر)، يفرز مجموعة من الهرمونات، منها هرمون الكورتيزون، الذي يرفع من مقاومة الجسم، وجزء داخلي (نخاع الكظر) يفرز هرمون الأدرينالين المعروف بهرمون النجدة، حيث يزداد إفرازه في حالات الخوف، والغضب، والإنفعال.

ففي حالة الخوف الشديد، يتم إستحثاث الغدة النخامية لإفراز هرمون يعمل على حث الغدة الكظرية (نخاع الكظر) لإفراز هرمون الأدرينالين، الذي تزيد نسبته في الدم عن المستوى الطبيعي، مما يؤدي إلى حدوث العديد من التفاعلات الكيميائية والفسيولوجية داخل الجسم، مثل إرتفاع درجة الحرارة، مع زيادة دقات القلب، وإرتفاع عال ومفاجئ في ضغط الدم، بسبب إنقباض الشرايين، والأوردة الصغيرة، مما قد يسبب نزيفاً دماغياً صاعقاً، أو جلطة قلبية، أو موتاً مفاجئاً، وقد يؤثر على أوعية العين الدموية، فيسبب لها العمى المفاجئ.

كما أن زيادة الأدرينالين في الدم تعمل على تحرير الجليكوجين من مخازنه في الكبد، والعضلات، ويطلق السكر، مما يزيد من نسبة السكر في الدم.

ويصاحب إزدياد الأدرينالين صعوبة في التنفس، وضعفاً عاماً في العضلات، وتقلصاً لعضلة القلب، وزيادة في إستهلاك الأكسجين، كما يزيد الأدرينالين من قابلية الدم للتجلط ما يؤدي إلى حدوث الجلطة القلبية، أو الدماغية. وتعمل زيادة الأدرينالين على تثبيط لحركة الأمعاء، وتوسيع بؤبؤ العين، فتزيد حدة الإبصار في الليل، كما يرافق زيادة الأدرينالين خروج كميات كبيرة من الماء بواسطة الإدرار الولي (dieresis).

هرمون الأدرينالين:
تم إكتشاف هذا الهرمون في عام 1900م على يد عالم الكيمياء الياباني تاكامين takamine kichi، وينتمي هرمون الأدرينالين إلى عائلة الكاتيكول أمين (catecholamine)، وصيغته الجزيئية هي C9H13NO3.
وللأدرنالين وظائف حيوية هامة داخل الجسم، حيث يعتبر كناقل عصبي، يؤثر في الجهاز العصبي السمبتاوي الذي يتصل بكل من (القلب، الرئتين، الأوعية الدموية، المثانة البولية)، كما يعمل هرمون الأدرينالين على معاكسة تأثير الأنسولين، حيث يطلق عندما ينخفض مستوى السكر في الدم، مما يزيد من عملية الأيض، وإرتفاع السكر في الدم.

وبعد التعرف على التغيرات الفسيولوجية، والتأثيرات الجانبية الناتجة عن زيادة جزيئات هرمون الأدرينالين على الوظائف الحيوية للجسم، لنا أن نسأل: هل لزيادة هذه الجزيئات عن المستوى الطبيعي للجسم تأثيرات على مستوى الأنسجة والخلايا؟
لذلك إهتمت الدارسة الحالية بالتعرف على التغيرات النسيجية التي تحدث نتيجة لزيادة إفراز هرمون الأدرينالين، عندما يتعرض الحيوان للخوف الشديد مثل الخوف من الذبح.

التجربة:
1- حيوانات التجارب:
إستخدم في هذه الدراسة عدد 12 خروفاً من نوع الحري،وزن الحيوان حوالي 22-25 كيلوجراماً سليمة، وخالية من الأمراض.
2- خطوات التجربة:
– قُسمت الحيوانات إلى ثلاث مجاميع تضم كل مجموعة أربعة خرفان، المجموعة الأولى مجموعة ضابطة تم تطبيق هدى الرسول صلى الله عليه وسلم عليها في ذبح الحيوان (إراحة الذبيحة، وتمرير السكين بسرعة على العنق)، المجموعة الثانية تم حد السكين لمدة 30 ثانية أما الحيوان، وهو ينظر ثم ذبحه، المجموعة الثالثة ذبح حيوان أمام حيوان آخر ينظر إليه، ويتم حد السكين لمدة 60 ثانية أمام الحيوان، وهو ينظر إليه ثم ذبحه.
– تم سلخ الحيوانات وتشريحها، ثم أخذت عينات صغيرة من أكباد كل الخرفان، ووضعت على الفور في فورمالين تركيزه 10% لمدة 48 ساعة لثبيتها، ثم جهزت العينات للدراسة النسيجية حسب الطرق النسيجية المعروفة (الغسل، الترويق، التخليل، الطمر)، ثم قطعت العينات بإستخدام ميكروتوم دوار إلى قطاعات رقيقة بسمك 5 ميكرونات، وحملت على شرائح زجاجية، وصبغت بصبغة الهيماتوكسلين والأيوسين H&E، ثم فحصت القطاعات بإستخدام المجهر الضوئي.

الجدول التالي يوضح المجاميع المختلفة للتجربة وفترات الخوف

مدة التعرض للخوف

نوع الخوف

المجموعة

————–

مجموعة ضابطة الأولى

30 ثانية

حد السكين أمام الحيوان وهو ينظر

الثانية

60 ثانية

ذبح حيوان أمام آخر وهو ينظر

الثالثة

النتائج:
1. توضح القطاعات النسيجية لحيوانات المجموعة الضابطة مجموعات الخلايا الكبدية (HC) مرتبة في أشرطة داخل صفوف كبدية، يتوسطها وريد مركزي (CV) كما توجد جيوب دموية (BS) بين أشرطة الخلايا، تحتوي كل خلية كبدية على نواة وسطية بداخلها كروماتين.
2. أظهر فحص قطاعات الكبد في المجموعة الثانية، والتي تعرضت للخوف لمدة 30 ثانية، وجود تغيرات نسيجية متعددة شملت تحلل الستوبلازم، وأنوية الخلايا الكبدية، وإتساع الوريد المركزي (CV)، وركود وترسيب لخلايا الدم الحمراء مع تحللها، كما يظهر الوريد المركزي محطم البطانة الطلائية الداخلية ومتصلاً بالجيوب الدموية (BS) التي تظهر متسعة، ومنفصلة البطانة الطلائية، مع تحلل لبعض الخلايا الكبدية، وظهور بداية تحلل لكرماتين أنوية بعض الخلايا ومعظم العضيات الستوبلازمية، مع مشاهدة زيادة عدد خلايا كوفر (K).
كما يظهر إتساع في الجيوب الكبدية، مع بداية تحلل الخلايا الكبدية، وتحلل للسيتوبلازم والأنوية (HC)، مع مشاهدة نزيف داخلي وخلايا التهابية (I).
3. أظهر فحص قطاعات الكبد في المجموعة الثالثة التي تعرضت للخوف لمدة 60 ثانية تحللاً واضحاً لسيتوبلازم الخلايا الكبدية، مع إنكماش بعض الأنوية، ووجود بعض الأنوية الطرفية داخل الخلايا الكبدية، كما تظهر منطقة كبيرة متحللة داخل الفصوص الكبدية، مع زيادة في عدد خلايا كوفر، وترسيب لخلايا الدم الحمراء داخل الجيوب الدموية.
إستدارة وإتساع شديد وكبير للوريد المركزي (CV)، مع تهتك وإنفصال البطانة الطلائية الداخلية للوريد، وترسيب لخلايا الدم الحمراء، وتحطمها، وتحللها، ويظهر إتصال الوريد المركزي بالجيوب الدموية.
كما يوضح القطاع في منطقة الحيز البابي القناة الصفراوية التي تظهر معظم خلاياها متحللة مع تهتك لجدار القناة، وزيادة ملحوظة في عدد خلايا كوفر في تلك المنطقة ويظهر الوريد البابي تهتك البطانة الطلائية مع تليف لجدارها، وتوسع للجيوب الدموية المحيطة به وترسيب للخلايا الدموية الحمراء داخلها.

وجه الإعجاز:
‌أ. بين الرسول صلى الله عليه وسلم الهديّ الصحيح والسليم في الذبح، مما يؤكل من بهيمة الأنعام، فربط عليه الصلاة والسلام بين الرفق والإحسان إلى الحيوان، وبين سلامة اللحوم، وما يؤكل من الحيوان كالكبد. فقد ظهر في الدارسة المجهرية الحالية أن إخافة الحيوان، وعدم الرفق به، أو ذبح حيوان آخر أمامه يؤثر في الخلايا النسيجية للكبد، ويتلفها، ويزداد هذا التلف بزيادة فترة التعرض للخوف، وذلك لأن الخوف يعمل على إستحثاث الغدة النخامية لإفراز هرمون يعمل على حث الغدة الكظرية لإفراز هرمون الأدرينالين، الذي تزيد نسبته في الدم بسرعة، وينتشر مع الدورة الدموية إلى جميع أعضاء الجسم المختلفة.
‌ب. كما أظهرت نتائج الدراسة الحالية التأثير السلبي لزيادة إفراز هرمون الأدرينالين على الخلايا الكبدية، الذي يعمل على تدمير بعض الخلايا الكبدية، وتحلل الأنوية، وتلف للكروماتين لبعض الخلايا مع إنكماش للأنوية في البعض الآخر، كما أظهرت تلفاً في البطانة الطلائية للوريد المركزي، مع إتساع في حجم الوريد، والذي يزداد بازدياد فترة الخوف التي يتعرض لها الحيوان، كما يظهر ترسب لخلايا الدم الحمراء، وتحللها داخل الوريد المركزي، مع ظهور إتساع في حجم الجيوب الدموية، وإتصالها مع الوريد المركزي، وترسيب للخلايا الدموية الحمراء بداخلها وتحللها، وظهور زيادة في عدد خلايا كوفر. كما تظهر القنوات الصفراوية محطمة البطانة الداخلية، مع تهتك في خلاياها، مما يؤدي إلى إنتشار العصارة الصفراوية بين الخلايا الكبدية، وقد تنتشر مع الدورة الدموية إلى جميع أنسجة الجسم ومنها العضلات.
‌ج. نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إخافة المسلم، وقد ورد ذلك في العديد من الأحاديث النبوية، وإتضح السر في هذا النهي باكتشاف التغيرات النسيجية للخلايا الكبدية التي تـتأثر بزيادة إفراز هرمون الأدرينالين، المسؤولة عن حالة الخوف، ولأن الكبد يعتبر من الأعضاء الهامة جداً في الجسم، فقد أظهرت الدارسة النسيجية الحالية الأضرار الشديدة التي تصيب الكبد، نتيجة التعرض للخوف الشديد، وهذا يتوافق مع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن إخافة المسلم، وكذلك مع رفقه وإحسانه للحيوان عند الذبح، لأن ذلك من الإحسان المأمور به.

وهكذا يتجلى وجه الإعجاز العلمي لهذا النهي مع الحقائق العلمية الحديثة التي بينت الأضرار الجسيمة التي يحدثها الخوف داخل الجسم، سواء على المستوى الفسيولوجي والنسيجي للأعضاء. وذلك يزيدنا يقيناً أن القرآن الكريم كلام الخالق – عز وجل- وأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وحي من الله قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّوَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4].

فمن أين لهذا النبي الأمي أن يعلم بكل هذا الضرر الذي يلحق بالإنسان والحيوان عند تعرضه للخوف الشديد، وينهى عن إخافته.
كما يتجلى لنا عطفه ورحمته وإحسانه إلى الحيوان، حتى عند ذبحه، وبذلك يكون قد سبق الغرب في الدعوة إلى الرفق بالحيوان، قبل ألف وأربعمئة وأربعين عاماً.


* جامعة أم القرى. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.eajaz.org .