م. محمد كريمي*
عرف شجر الرمان قديمًا في إيران وشمال الهند وقد تم توطينه في معظم الدول الدافئة وحوض البحر الأبيض المتوسط عن طريق اليونان والفينيقيين وحضارات أخرى، وانتقلت زراعة الرمان من الزراعة ذات الصبغة التقليدية المحدودة الانتشار إلى زراعة تجارية امتدت على مساحات شاسعة ساهمت بذلك في الرفع من دخل المزارعين.
معطيات حول نبات الرمان (قراءة علمية):
ينتمي نبات الرمان إلى نوع Punica من العائلة الرمانية Punicacae وتحتوي هذه العائلة على نوعان فقط أهمها نوع L. Punica granatum المثمر، ونوع آخر غير مثمر يغرس في الحدائق للزينة لجمال أزهاره. (…)
شجرة الرمان تعمر حوالي 50 سنة ويصل علوها إلى 6 أمتار، أغصانها متفرعة وغالبًا ما تكون حاملة للأشواك، أوراقها خضراء لامعة رمحية الشكل متقابلة Opposées أو دائرية Verticillées، تتلون بألوان ذهبية جميلة قبل أن تسقط في فصل الخريف.
زراعة الرمان:
تنمو شجرة الرمان في المناطق ذات المناخ القاري الحار وشبه الجاف والمعتدل وتتحمل انخفاضًا حراريًا يصل إلى -12 درجة وارتفاعا يزيد عن +40 درجة وعلوا عن سطح البحر يصل إلى 1200 متر، كما تتحمل الجفاف ونقص في التساقطات المطرية أو في مياه السقي وغالبًا ما يكون ذلك على حساب نموها وإثمارها.
تتأقلم شجرة الرمان مع عدة أنواع من الأتربة سواء كانت فقيرة أم غنية وتفضل الأتربة الطينية الرملية العميقة، جيدة الصرف، كما أنها لا تتأثر بالملوحة ولا بالأتربة الكلسية. ولإنتاج فاكهة الرمان تزرع حاليًا صنفين من هذه النبتة.
الأصناف الحلوة: تحتوي عند نضجها على حبات ذات ألوان حمراء تميل أحيانا إلى البياض ممتلئة بسائل حلو تأكل طازجة.
الأصناف المرة أو الحامضة: تحتوي على حبات صلبة شديدة الحمرة ذات مذاق مر أو حامض وتستعمل هذه الأصناف في الصناعات الغذائية.
تقنيات زراعية:
إن زراعة الرمان سهلة وليست محفوفة بأية صعوبة فغالبًا ما يترك شجر الرمان ينمو لوحده دون أية رعاية خاصة في الزراعات التقليدية. وتتم عملية الزرع أو التشجير ابتداءًا من فصل الخريف إلى فصل الربيع. (…)
تكاثر شجر الرمان:
إن طرق تكاثر شجر الرمان عديدة ومتنوعة، تتم إما عن طريق البذرة (Graine) أو العقل (Bouture) أو السرطانات (Drageons) أو التطعيم (Greffage) أو الترقيد (Marcottage) والعقل أكثر الطرق استعمالاً لتكاثر شجر الرمان نظرًا لسهولته ونجاحه.
ولتكاثر شجر الرمان عن طريق العقل يتم اللجوء في شهر فبراير وبداية شهر مارس إلى الأفرع المزالة عند التقليم أو من السرطانات، إذا لم تكن الشجرة قد تم تطعيمها من قبل، وتأخذ العيدان ذات طول يتراوح بين 20-25 سنتمتر وسمك بين -0.5 – 1 سنتمتر ويغرس حوالي ثلثي طول العقل مباشرة في التربة إذ لا يبقى سوا برعم واحد ظاهرا فوق سطح الأرض. وللحصول على أفضل النتائج والتسريع في نشوء جذور العقل يتم اللجوء أحيانا إلى المعالجة بمادة (1)AIA أو (2)AIB.
الأمراض:
إن شجرة الرمان نادرًا ما تتعرض خلال مرحلة نموها وإثمارها للإصابة بالأمراض الفطرية والحشرية وغيرها وبالتالي هي غالبًا ما تكون في منأى عن المعالجات الكيميائية مقارنة مع باقي الأشجار المثمرة الأخرى، إلا أنها قد تصاب أحيانًا بالأمراض التالية:
– حشرة المن التي تصيب البراعم والأوراق الحديثة العهد.
– أمراض فطرية غالبًا ما تكون في المناطق الرطبة وهي ناتجة عن فطريات Aspergilus التي تتسبب في تعفن وسواد حبات الرمان وتصبح بذلك غير صالحة للاستهلاك.
– ذبابة الفاكهة (Cératite) التي تتسبب أحيانًا في إلحاق بعض الأضرار بالفاكهة.
– أمراض أخرى ناتجة عن إصابات بديدان أرضية وغيرها.
الخصائص البيولوجية للرمان:
الزهرة ومراحل نمو الفاكهة:
زهرة الرمان تسمى (الجلنار) وهي زهرة حمراء فاتحة اللون رائعة المظهر وقد لفتت نظر العديد من الشعراء نظرا لجمال لونها وروعة منظرها، وتتفتح زهور شجرة الرمان في فترة ما بين أواخر شهر مايو- أيار إلى شهر أغسطس- آب وتمتد مرحلة الأزهار من 8 إلى 10 أسابيع حيث تتفتح أغلب الزهور ما بين الأسبوع الثالث والخامس.
تحتوي الشجرة على أزهار ذكرية عقيمة في شكل جرس وتشكل حوالي 60-70% من مجموع أزهار الشجرة الواحدة، وأزهار خنثوية منجبة تتكون من أعضاء ذكرية (الأسدية) وأعضاء أنثوية (المدقات).
ويمكن لأزهار شجرة الرمان أن تخصب نفسها بنفسها (autogamie) كما يمكن أن تخصب بعضها البعض (allogamie) ويعطي الجيل الأول من التخصيب أفضل نسبة تشكل الفاكهة (90%) وتقل نوعية الفاكهة كلما تشكلت من أزهار الجيل المتأخر.
الفاكهة وخصائصها:
إن المميزات الخارجية للرمان لا تعطي فكرة واضحة عن الجودة الداخلية للفاكهة (نوعية الحبوب) لذلك يقال في مثل مغربي (رمانة أمغمضة) أي يبقى السر دائمًا بداخلها ويقال هذا المثل حينما يعجز المرء عن نفاده إلى سر من الأسرار عن طريق حواسه.
تنضج فاكهة الرمان في فصل الخريف وهي ثمرة دائرية الشكل، يزيد قطرها عن 10 سم وزنها حوالي 200 غرامًا ذات لون أصفر ميال للاحمرار وهي عبارة عن كيس جلدي سميك بداخله عدة مقصورات تسمى الفصوص، مكونة من أغشية رقيقة (شحم الرمان)، تحتوي بداخلها على مئات البذور الصلبة أو اللينة حسب الأصناف، مكسوة بسائل أحمر متفاوت في حلاوة مذاقه.
وجني الرمان يكون ما بين أواخر شهر سبتمبر- أيلول وأواخر شهر أكتوبر- تشرين الأول وتتم عملية الجني عدة مرات متتالية كلما انجلى اليخضور (chlorophylle) من قشرة الرمانة. وتعطي الشجرة الواحدة حوالي 50 كيلوغراما من الرمان.
الفوائد الصحية والطبية لشجرة الرمان:
للرمان قيمة غذائية لا تقل أهمية عن كونه علاجًا فهو يحتوي على البروتينات والدهون والأملاح المعدنية ومن أهمها البوتاسيوم والحديد والنحاس وبعض الأحماض العضوية والفيتامينات. إن الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان من تناوله لفاكهة الرمان عديدة ومتنوعة خاصة فيما يتعلق بالجهاز الهضمي، حيث أثبتت ذلك العديد من الأبحاث والدراسات العلمية وفيما يلي بعض فوائد شجر الرمان:
– يستخدم قشور الرمان لعلاج قرحة الجهاز الهضمي ودبغ ظهارة المعدة.
– يستخدم شراب الرمان ومسحوق القشور والساق والجذور في علاج الإسهال لأنه يعمل على تغيير طبيعة بروتينات الأمعاء ويقلل من ارتشاح السوائل فضلاً من أنه يقتل الجراثيم المرضية ويمتص السموم الجرثومية.
– يفيد نقيع قشور الرمان في طرد الديدان الشريطية وقاتل لطيف واسع من الطفيليات كما يفيد في علاج البواسير.
– يفيد قشور الرمان ممزوجًا بالتمر في علاج التقيؤ.
– يستخدم مغلي أزهار الرمان لعلاج التهابات اللثة والتخمرات اللثوية ورائحة الفم.
– يستخدم الرمان كمضاد لتصلب الشرايين عند الأشخاص الأصحاء أو الإصابة بأمراض القلب لكونه يخفض من مستوى الكولسترول الضار في الجسم ويرفع من الكولسترول المفيد.
– يعتبر الرمان من الفواكه المطهرة للدم والمنظف لمجاري التنفس ويساعد على الهضم ويقلل آلام النقرس.
– يفيد عصير الرمان ممزوجًا بالعسل في تهدئة الأعصاب والإرهاق.
– وأكدت بعض الدراسات الحديثة أن الرمان، يحتوي على فعالية كبيرة مضادة للأكسدة ويعمل على تحسين كمية ونوعية الخلايا المنوية كما قد يتوفر على عناصر مضادة للسرطان وخصوصًا سرطان البروستات.
الرمان من خلال القرآن الكريم:
ذكر الله سبحانه وتعالى الرمان في ثلاثة آيات من سورتي الرحمن والأنعام وقال عز وجل: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (الرحمن: 68).
قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره وهذا ظاهر الكلام. وقال آخرون إنما ورد ذلك من باب عطف الخاص على العام وقال الجمهور: هما من الفاكهة وقد أعيد ذكرهما لفضلهما وشرفهما وحسن موقعهما على الفاكهة وترغيبًا لأمة الجنة، كقوله تعالى في سورة (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى) (البقرة: 238).
وقيل: إنما كررها لأن النخل والرمان كانا عند العرب في ذلك الوقت بمنزلة رفيعة لعمومهما وكثرتهما عندهم فهما أعظم الثمار نماء، من المدينة إلى مكة إلى أرض اليمن. فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها. وقيل: أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء.
وقال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) (الأنعام: 141).
(أنشأ) أي خلق. قال ابن عباس: (معروشات) ما انبسط على الأرض مما يفرش مثل الكروم والزروع والبطيخ لأن أغصانها لينة لا يمكن أن تنهض وتقوم لوحدها، وقد حاول الإنسان رفعها بوضع القوائم والقواعد ليعطي لها قوة الإنتاج. (وغير معروشات) ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار. وعن ابن عباس أيضا: المعروشات ما أثبته ورفعه الناس. وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار.
وقوله عز وجل: (وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إنَّ فِى ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام: 99).
وقد قال الطبري في تفسير هذه الآيات وأنشأ النخل والزرع مختلفًا أكله يعني بالأكل الثمر يقول وخلق النخل والزرع مختلفا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه في الطعم منه الحلو والحامض والمر. وقال بعضهم متشابهًا وغير متشابه قال متشابهًا في المنظر وغير متشابه في الطعم.
وقال ابن كثير عن الرمان في تفسير هذه الآيات أنه متشابه في الورق والشكل قريب بعضه من بعض ومختلف في الثمار شكلاً وطعمًا وطبعًا، وينعه أي نضجه وانظروا في قدرة الخالق الذي خلقه من عدم وأخرجه إلى الوجود وفي هذا دلالات على كمال قدرة الله وحكمته ورحمته فهو الخالق لكل شيء من الزروع والثمار والأنعام.
إن الرمان ورد ذكره في الآيات الثلاثة مع النخل والزيتون والعنب، وطبيعيًا الرمان يتقاسم مع هذه الأشجار المذكورة بجانبه في القرآن نفس الظروف المناخية إذ يتواجد وينموا في نفس المناطق المناخية لهذه الأشجار (En association)، حيث نجده ينمو ويثمر إلى جانب أشجار النخل في الواحات تحت وطأة الظروف المناخية الصحراوية الجافة وكذلك في المناطق الرطبة وما دونها وهو يتفق بذلك أيضًا مع شجر العنب والزيتون في متطلباته المناخية للنمو والإثمار.
وقد جاء ذكر الرمان متأخرا في كل الآيات التي ورد فيها ذكره، والحكمة من ذلك قد تتجلى في كون الرمان:
1. دباغ للمعدة كما جاء في القول المأثور عن علي كرم الله وجهه (كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة) فالإنسان حينما يتناول الطعام ينبه التوسع الآلي للمعدة إلى إفراز الحمض المعدي للهضم، وعندما تحرم نقطة ما من جدار المعدة من الفعل الوقائي أو حينما تفوق تأثيرات الحمض المعدي هذا الفعل الوقائي تحدث القرحة الهضمية. ويستخدم قشور الرمان وشحمه (الأغشية الموجودة بين الفصوص) في علاج المعدة من القرحة الهضمية والوقاية منها، حيث يعمل على دباغ ظهارة المعدة لكونه يحتوي على كمية عالية من العفصات (tanins) التي تترسب على الطبقة الظهارية فتجعل منها طبقة واقية يقع تحتها بناء النسيج المتلف.
2. فاكهة مطهرة للدم ومنظف للثة ولمجاري التنفس كما تساعد على هضم الأطعمة الدسمة بشكل جيد فضلا عن تنظيف الأمعاء من الجراثيم المرضية والسموم الجرثومية.
فتأخير ذكر الرمان في القرآن يوحي بتأخيره في الأكل، إذ من الأفضل أن يكون الرمان آخر الطعام لكي يستفاد أكثر من فوائده الصحية والطبية التي أتبثها العلم الحديث لهذه الشجرة المباركة.
___________________________________
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.eajaz.org
المراجع:
1. القرآن كريم
2. تفسير ابن كثير
3. تفسير الطبري
4. تفسير محمد متولي الشعراوي
5. أمراض جهاز الهضم،هاريسون ترجمة د. حسان أحمد قميحة،1996
6. الطب الوقائي، د.فواز محمد حيدر، 2000
7. A.OKABLI، le grenadier: des variétés performantes pour la culture، 2004
8. A.SKIRDJ & all، Le grenadier، fiche technique
9. M.Messaoud & M. MERRAKCHI Dynamique de la floraison et régime de reproduction chez le grenadier، 2004
10. Natura News، Science nutrition، Prévention et santé، Mars 200
الهوامش:
1. والدباغ في اللغة معناه التليين والتهذيب إذ نقول دبغ الجلد دبغا ودباغا ودباغة أي عالجه بمادة ليليين ويزول ما به من رطوبة ونتن.
2. أخرجه أحمد في مسنده، رقم 22153
3. لسان العرب، ابن منظور