بقلم الدكتور عبد الرحيم الشريف*
منذ أن خلق الله تعالى الإنسان وهو يعيش في مجتمع يضم بني جنسه، يؤثر بهم، ويتأثرون به.. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه. ومن الغرائز التي وضعها الله تعالى في الإنسان: غريزة محاولة جذب الآخر إليه، وإقناعه بما يحمل من أفكار… فتزيد القواسم المشتركة بينهما. لذا، استخدم الإنسان كل ما يسره الله تعالى ووضعه بين يديه من وسائل للاتصال؛ ليؤثر بغيره ويقنعهم بأهمية وخير ما يحمل من أفكار ومعتقدات. فغاية أية وسيلة اتصال: نقل فكرة من شخص (أو مجموعة أشخاص) إلى الآخرين. لذلك سعى الإنسان منذ قديم الزمان إلى استخدام أسلوب الدعاية، التي في جوهرها: عملية إقناع منظمة. إقناعٌ للناس بأن يفكروا ويسلكوا طريقة معينة. وقد ظهرت في عصرنا الحديث وسائل اتصال عديدة، لو أُخبِر بها أجدادنا لعدُّوها ضربًا من الخيال المستحيل، فالهاتف والرائي والمذياع والحاسوب، جعلت الاتصال بالناس أمرًا يسيرًا، والتأثير بعقولهم وبث الأفكار فيها عملية عادية رتيبة، لا تحتاج كثير صعوبة أوعناء، كما كانت في السابق. وقبل حوالي عشر سنوات، انتشرت الشبكة العنكبوتية التي أذهلت العالم؛ شبكة الإنترنت.
أولاً: تعريف الإنترنت:
كلمة (Internet) هي اختصار للتعبير (Interconnected Networks) وتعني: “ترابط بين الشبكات”، وبعبارة أخرى “شبكة الشبكات”؛ حيث يتكون الإنترنت من عدد كبير من شبكات الحاسب المترابطة والمتناثرة في أنحاء كثيرة من العالم. ويحكم ترابط تلك الأجهزة وتحادثها اتفاقية موحدة تسمى اتفاقية تراسل الإنترنت، واختصارها (TCP / IP). ويمكن الوصول إلى الشبكة العالمية بسهولة، من خلال المؤسسات المشتركة بخدمة الإنترنت والمدارس والجامعات… كذلك مقاهي الإنترنت العمومية، وحتى داخل المنزل. فما على من يريد ذلك سوى توفير: جهاز حاسوب قادر على الاتصال بالشبكة، خط هاتف، اتفاقية اشتراك من أحد مزودي الخدمة بإحدى طريقتين:
الأولى: عن طريق الخط الهاتفي العادي.
والثانية: من خلال الاشتراك في خطوط الاتصال الرقمية العريضة (ADSL)، والتي تتميز بسرعتها في تلقي وإرسال البيانات والمعلومات، لكنها مكلفة نوعًا ما، وهذه الأخيرة تتطلب اشتراكًا خاصًا من شركات الاتصالات.
وتوجد طرق أخرى قامت بتوفير هذه الخدمة في الهواتف المحمولة الحديثة، بشرط اشتراك مخصوص مع شركات الاتصالات، التي تقدم خدمة الإنترنت. كما تسارعت طرق الاتصال بشبكة الإنترنت، فظهر الاتصال بالأقمار الصناعية بواسطة الأطباق الفضائية.
وهناك آمال وطموحات في توفير هذه الخدمة عن طريق أسلاك الكهرباء أو الألياف الضوئية واستقبالها من خلال أجهزة الحاسوب، أو من خلال التلفاز، ولعل المستقبل القريب يطرح طرقًا مختلفة في تلقي هذه الخدمة، والاتصال بالعالم بجميع أفراده ومجتمعاته، بشكل يشبه الخيال.
ويكون دخول الشبكة: عن طريق كتابة اسم الموقع على شريط العنوان في متصفح الإنترنت، حيث لكل موقع في العالم اسمه الخاص الذي لا يشاركه به أي موقع آخر. والموقع الواحد يحتوي عدة صفحات، بحسب حجمه.
تُمكِّن شبكة الإنترنت مستخدميها من الاستفادة من عشرات الخدمات المختلفة، والتخاطب مع المستخدمين الآخرين. فهي نافذة على العالم بشعوبه وثقافاته وعلومه المختلفة، ووسيلة للاتصال بين الباحثين ورجال الأعمال، والدوائر والقطاعات ذات العلاقات المشتركة. وتحوي شبكة الإنترنت عددًا من المواقع، لمختلف الشركات والهيئات العالمية، تعرض فيها بضائعها وتنشر أخبارًا، وتبث أفكارًا بمختلف الأنواع واللغات. ويستطيع أي مشترك بخدمة الإنترنت زيارة أي موقع على الشبكة، عن طريق فتح صفحات ذلك الموقع. فكل موقع يتكون من عدة صفحات، لكلٍّ منها عنوان مستقل.
ثانياً: لمحة تاريخية عن مراحل تطور الإنترنت:
في عام 1962م اقترح “بول باران” (Paul Baran ) نظامًا من الحواسيب المتصلة بعضها ببعض، باستخدام شبكة لا مركزية تغطي الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الفكرة لم تطبق لقلة الإمكانيات لديه وضعف التقنيات في ذلك الوقت. في سنة 1969م أسَّست وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، شبكة بين الحواسيب تجعلها متصلة معًا، وأسمتها: (ARPA). ضمت تلك الشبكة أربعة مراكز أبحاث، ما لبثت أن زادت إلى أربعين سنة 1972م، واثنتين وستين سنة 1974م، وقفز العدد إلى مائتين سنة 1981م. أصبحت تلك الشبكة ـ التي عرفت اختصاراً بـ (ARPAnet) ـ مكاناً لتبادل المعلومات بين العلماء والمدرسين في شتى الأبحاث. وفي سنة 1982م ظهرت اتفاقية (NNTP) التي عملت على تحسين الاتصالات بين عدة شبكات، عرفت اختصارًا بـ: (TCP / TP)، فتوسعت الشبكة وأصبحت متاحة لعدد كبير من المشتركين. وعندها أضحت كلمة “إنترنت” (Internet) التعبير الشائع للإشارة إلى هذه الشبكة العالمية من الحواسيب الموجودة في الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات العسكرية. عام 1986م عملت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA)، على زيادة سرعة الاتصال عن طريق الشبكة، مما سهل الارتباط بعدد كبير جدًا من الحواسيب الضخمة. وفي سنة 1991م تم إنشاء نظام اتصال عالمي، يتعامل مع قواعد البيانات على أنها قوائم وفهارس، وسمي هذا النظام نظام: “غوفر” (Goffer). كانت لهذا النظام العديد من الوظائف، إلا أنها تفتقر إلى العناصر الرسومية، والارتباطات التشعبية. وفي سنة 1993م تم إنشاء مركز معلومات شبكة الإنترنت، التي تقوم بتسجيل أسماء المواقع، وتنظيم سجلات، بهدف تنظيم العمل على الشبكة، فلا يتكرر عنوان الموقع أكثر من مرة. دون أن تتدخل في محتويات تلك المواقع. وفي العام ذاته ظهر أول متصفح للإنترنت وكان اسمه “موزاييك” (Mosaic). وعام 1994م تم إنشاء متصفح “نتسكايب نافينغر” (Netscape Navigator)، الذي أصبح أكبر موزع للإنترنت في العالم، وساعد على الانتشار السريع للإنترنت في جميع أنحاء العالم. وفي سنة 1995م أصدرت شركة مايكروسوفت برنامج متصفح “إنترنت إكسبلورر” (Internet Explorer) الذي نافس بقوة متصفح “نتسكايب”. أدى التنافس بين الشركتين، إلى انخفاض أسعار الاشتراك بالإنترنت، وتحسين خدماتها، فانتشر استخدام الإنترنت هذا الانتشار العالمي الهائل، فلا توجد دولة في العالم إلا اشتركت فيها.
ثالثاً: أثر الإنترنت في نشر الدعوة الإسلامية:
الإنترنت وسيلة تفاعل اجتماعي، تمكن ملايين البشر ـ على اتساع رقعتهم الجغرافية ـ من التواصل فيما بينهم، والمشاركة في الشبكة، والمفاعلة فيما بينهم. الدخول إلى الإنترنت، يعني الدخول إلى عالم واسع من ملايين البشر، يحملون مختلف الأفكار والثقافات. ومن يدخل بحر الإنترنت الواسع، يطَّلع على ما لا يعد ولا يحصى من صفحات الإنترنت، لمختلف الأفكار والتوجهات والعقائد والملل. كما يستفيد المسلمون من الإنترنت عدة فوائد، منها:
1. الدعوة إلى الإسلام وبيان محاسنه.
2. الرد على الشبهات التي تثار حول الإسلام ودحضها.
3. محاربة البدع والتصدي لدعاتها.
4. التعرف على أحدث التقارير والدراسات والإحصاءات في مختلف المجالات.
5. سهولة الاتصال بالعلماء؛ لأخذ الفتوى عنهم والاستنارة بآرائهم. والإعلان عن محاضراتهم
ولاستخدام الإنترنت في الدعوة الإسلامية مزايا لا تتوفر في أية وسيلة اتصال أخرى، منها:
1. إقبال الناس المتزايد على تصفح مواقع الإنترنت: فقد أصبح الإنترنت اليوم مرجعًا لكل باحث عن معلومة معينة، وملاذًا لكل طالب علم ديني أو دنيوي. فقد كان من الصعوبة الحصول على معلومات صحيحة وشاملة عن الإسلام في كثير من بلدان العالم، أما اليوم فاختلف الوضع تمامًا وصار الإسلام يقتحم بيوت الناس، ومعاهدهم بل وغرفهم الخاصة!
2. قلة تكلفة هذه الوسيلة الدعوية: لو فكر إنسان بطباعة كتيب صغير لينشره بين الناس، لكلفه ذلك مبلغًا كبيرًا. بينما لو قام بنشره في الإنترنت، فلن يكلفه إلا مبلغًا زهيدًا جدًا.
3. سهولة استخدام هذه الوسيلة: إن ممارسة الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت لا تحتاج شهادات أو دورات معقدة، فلقد تعلم الكثيرون من الدعاة ـ أصحاب الشهادات الشرعية ـ الكثير من وسائل وأساليب استغلال هذه الشبكة في الدعوة إلى الله في أيام قليلة.
4. بما أن شبكة الإنترنت ـ في أحيان كثيرة ـ ليست وسيلة احتكاك مباشر بالناس، فإن هذا الأمر يعطي مرونة كثيرة للدعاة. فمن ذلك مثلاً: في حال نومك أو سفرك أو انشغالك، فإن الناس أيضًا سيستفيدون من موقعك الدعوي والمعلومات المتوفرة فيه، وهذا أمر يختلف عن الشيخ الذي يجلس في المسجد ويُعلم الموجودين بداخله فقط، بل إنه في حال سفره أو مرضه تقل الاستفادة من علمه ـ دون قصد التقليل من شأنهم ـ.
ولكن أين نحن من الاستفادة من الإنترنت في نشر دعوة الإسلام؟
” لا شك أن المسلمين حتى الآن لم ينجحوا في استغلال شبكة المعلومات الدولية الإنترنت دعويًا بالشكل المطلوب، فالإحصاءات تقول: إن المواقع التنصيرية في الشبكة تزيد على المواقع الإسلامية بمعدل 1200%، ونصيب المسلمين من الإنترنت حتى الآن مازال هزيلاً، ولا يرقى إلى المستوى المطلوب. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن المنظمات التنصيرية هي صاحبة اليد الطولى في المواقع الدينية على شبكة الإنترنت، حيث تحتل نسبة 62% من المواقع، ويليها في الترتيب المنظمات اليهودية، بينما تساوى المسلمون مع الهندوس، حيث لم تزد حصة كل منهم على 9% فقط. ويقدر الخبراء عدد المواقع الإسلامية والعربية على الإنترنت بـ650 موقعًا، وبدأ ظهور هذه المواقع منذ سنة 1993م، وكانت المواقع الإسلامية الأولى باللغة الإنكليزية ثم بدأ ظهور مواقع بلغات مختلفة، ولكن معظمها كان محدود التأثير، ويحتوي على معلومات سطحية. وفي الآونة الأخيرة ظهر عدد من المواقع المتميزة التي يقوم عليها متخصصون في مجالات مختلفة تدعمهم هيئات وشركات ومنظمات ووزارات إسلامية في بلدان مختلفة من العالم الإسلامي، وهذه المواقع تتميز بحسن التخطيط لها بحيث أخرِجت في تصميمات جيدة ومادة أفضل مما سبق ـ وإن كان يشوبها بعض القصور الذي يجب تلافيه ـ، ولا تزال الساحة بحاجة إلى مزيد من المواقع الإسلامية التي تستفيد من هذه التجارب لتقدم الجديد دائمًا، وخصوصًا مع وجود هذا الإقبال الإسلامي المتزايد على الإنترنت.
فلا جدال في أن شبكة الإنترنت تعد ثورة كبيرة في عالم الاتصالات، حيث أصبحت أقوى وسيلة إعلامية عالمية من حيث التأثير، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى نحو من 300 مليون مستخدم، والواجب يحتم علينا نحن المسلمين أن نستفيد من هذه الثورة الإعلامية والاتصالية قبل غيرنا من بني البشر، باعتبار عالمية رسالة الإسلام التي نحملها، ويجب علينا إبلاغها لكل من يحيا على هذه الأرض. وفتحت هذه الشبكة الدولية الجبارة آفاقًا جديدة للدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي، واستغلالها في الدعوة أصبح ضرورة ملحة، إلى جانب كل ما وصل إليه العلم من وسائل إعلامية: كالطباعة والتصوير والحاسوب والإذاعة والتلفاز، وبخاصة الإذاعات الموجهة والقنوات الفضائية “.
(…)
____________________________________
* دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم. للراغبين بمتابعة المقال بكامله مراجعة الموقع www.55a.net