د. عبد الرحيم الشريف
كثيراً ما يتردد على لسان الطاعنين بالإعجاز العلمي أن علماء الإعجاز “يسرقون جهود” علماء الغرب وينسبونها للإعجاز القرآني … وللرد العلمي عليهم … دعونا نتأمل ماذا قال علماء الإسلام في بعض أشهر مظاهر الإعجاز العلمي.. حين آمنوا بما دل عليه القرآن الكريم من مظاهر علمية خالفت ما تعارف عليه أشهر العلماء من غير المسلمين..
1. كروية الأرض:
– جاء في معجم البلدان 2/379 لياقوت الحموي (ت626ه/1228م)، بتعريف خط الاستواء: ” خط الاستواءَ من المشرق إلى المغرب وهو أَطولُ خط في كرة الأَرض”.
– بل السماء كروية، وكل ما فيها يدور.. وهو لا خلاف فيه.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 25/195: ” وقال الامام ابو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من اعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار فى فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب(الإمام) أحمد: (لا خلاف بين العلماء ان السماء على مثال الكرة وانها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة)”.
– والإيمان بدوران الأرض حول الشمس، أدى إلى التفسير الصحيح لظاهرتي الكسوف والخسوف.
قال الغزالي (ت 505ه/1111م)، في كتاب تهافت الفلاسفة: ” خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس. كقولهم إن كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما”.
2. القرآن أول من نقض نظرية الجنين القزم التي ذكرها فلاسفة اليونان والعهد القديم:
لقد كانت تلك النظرية راسخة كأنها حقيقة ثابتة لا جدال فيها. وهذا لم يمنع العلماء الأكارم من تقديم النص القرآني عليها.
– قال ابن حجر (773 – 852 هـ / 1372 – 1449 م)، في مقدمة شرحه لكتاب القدر في صحيح البخاري: “وزعم كثير من أهل التشريح: أن مني الرجل لا أثر له في الولد، إلا في عقده. وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك “. انظر: فتح الباري13/311.
– وقال ابن القيم (ت751ه/1350م): ” الجنين يُخلق من ماء الرجل وماء المرأة، خلافاً لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده “. انظر: تحفة المولود1/272.
– وقال القرطبي(ت 671ه/1272): “بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية ” يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ ” (الحجرات 13) ، أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل، إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح: أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة؛ لهذه الآية، فإنها نصٌّ لا يحتمل التأويل ” انظر: الجامع لأحكام القرآن 16/342.
3. ما أشار إليه الأخ عبد الدائم الكحيل حول وجود سبع طبقات للأرض كما للسماء.
قال تعالى في سورة الطلاق: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) “.
قال الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 30/26 ” خلق سبع سموات بعضها فوق بعض مثل القبة، ومن الأرض مثلهن في كونها طباقا متلاصقة”. ثم ذكر أن علماء الطبيعة في زمنه لم يثبتوا للأرض إلا ثلاث طبقات.
وانظر إلى تفسير المفسر الكبير الطاهر بن عاشور الذي توفي قبل أقل من ثلاثين عاما وسأذكر نص كلامه بطوله لنعلم كيف أن المفسرين يثبتون الإشارة العلمية في القرآن الكريم وإن خالفت ما عليه العلماء الطبيعيين في زمانهم. فتصديق القرآن مقدم على تصديق الطبيعيين…
يقول في تفسيره التحرير والتنوير 18/4471 ” والسبع السماوات تقدم القول فيها غير مرة، وهي سبع منفصل بعضها عن الآخر لقوله تعالى في سورة نوح (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا)
وقوله (ومن الأرض مثلهن) عطف على (سبع سماوات) وهو يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعطوف قوله (من الأرض) على أن يكون المعطوف لفظ الأرض ويكون حرف (من) مزيدا للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة (من) أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيرا في الكلام، وعدم الكثرة لا ينافي الفصاحة، والتقدير: وخلق الأرض، ويكون قوله (مثلهن) حالا من (الأرض).
ومماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى، أي أن خلق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة. وهذا أظهر ما يؤول به الآية. (…)
وقال المازري، في كتابه “المعلم على صحيح مسلم”، عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشفعة: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلماً طوّقه من سبع أرضين يوم القيامة).
كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إلي بعد فراقي له هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعا، فكتبت إليه قول الله تعالى ” الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ” وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إلي يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد”. انتهى كلام ابن عاشور
لقد خالف الإمام ابن عاشور ما صرح به علماء الجيولوجيا في القرن العشرين من أن طبقات الأرض فقط ثلاث …
وأكد أن الأرض مثل السماء في كرويتها وعدد طبقاتها … وهذا ما تحتمله اللغة وسياق الآية … وكل من أوَّل النص بغير ذلك، إنما صدر منه التأويل لعدم معرفته باللغة وخوفه من مخالفة الآية لما قرره علماء الطبيعيات في زمنهم.
ومن كان شجاعاً ـ مثل ابن عاشور ـ أثبت ما يدل عليه ظاهر النص القرآني بدون تأويل …
لهذا من الظلم أن يُقال: إن تفسير الطبقات السبع للأرض فيه تكلف ولا تحتمله الآيات … أو القول إن علماء الإعجاز العلمي لا يقولون بالظاهرة المكتشَفة أنها معلومة لدى المفسرين قبل اكتشاف الغرب لها.
ويؤكد هذا … ما قال البيضاوي في تفسيره 3/184: ” (خلق سبع سماوات) مبتدأ وخبر (ومن الأرض مثلهن)أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض “.
وفي إعراب القرآن للزجاج ص235 : ” خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، أي ومثلهن من الأرض “.
وهنا تساؤلٌ محق … لماذا يقوم علماء الغرب باكتشاف الغالبية العظمى من مظاهر الإعجاز القرآني؟ وليس نحن بما أن القرآن بين يدينا ؟؟
ونجد الجواب في ذات الآيات التي جاء فيها التطابق بين العلم والقرآن، لأنها موجهة أساساً للملحدين الذين لا يؤمنون بالقرآن، تدعوهم للإيمان به، خاطبهم بها الله تعالى بأنهم هم الذين سيرون هذه الحقائق الكونية وهم الذين سيكتشفونها. لذلك نجد البيان الإلهي يقول لهم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
فالآية قالت: سنريهم ولم تقل سنريكم، فلو كانت الاكتشافات على يد علماء مسلمين … لشكك بها علماء الغرب وقالوا أنها غير صحيحة بل قالها المسلمون ليثبتوا صحة قرآنهم…
وهذه الآية تكفي لإثبات الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم، فسبحان الذي أنزل على عبده الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
__________________________________
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com